قصة العميان الستة والفيل

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%aa%d8%a9-1

يحكى أن ستة عميان تناهى إلى سمعهم أن فيلاً كبيراً سوف يؤتى به إلى بلدتهم بمناسبة الاحتفال السنوي, فذهبوا الستة إلى حاكم البلدة وطلبوا منه أن يسمح لهم بلمس الفيل لأول مرة في حياتهم, فهم دائماً ما يسمعون على الفيل ومدى ضخامته لكنهم لم يتصورا شكله قط. لم يمانع الحاكم إطلاقاً إلا أنه أشطرت في سبيل ذلك أن يصف كل واحد منهم الفيل في جملة واحدة, وفي يوم الاحتفال وبحضور أهل البلدة أحاط الستة رجال بالفيل وبدأ كل واحد فيهم بلمسه, وبعد ما انتهوا من معاينة الفيل قام كل واحد بوصف الفيل أمام الحاكم وبحضور حشد كبير من والعامة, فجاء الوصف كالتالي:الأول قال: الفيل أقرب ما يكون إلى الحبل
قال الثاني متعجباً:  أين الفيل وأين الحبل؟ بل هو مثل الحائط تماماً
ضحك الثالث ثم قال : يا لها من سخافة, حبل وحائط!!! كيف هذا والفيل لا يخرج عن كونه خنجر كبير.
وقال الرابع متهكماً: ما تقولنه هراء وما يقوله الناس عن ضخامة الفيل هراء أيضاً, فقد كنت أشتاق لمعرفة الفيل وصدمت حينما وجدته مجرد ثعبان بدين غير سام.
وقال الخامس ساخراً: ما كل هذا الهذيان, الفيل عبارة عن مروحة يدوية مصنوعة من الجلد!!
وقال السادس مقهقهاً: يا لسماء… هل مسكم طائف من الشيطان؟! يبدو أنكم لمستم شيء آخر غير الفيل, فالفيل ما هو إلا جزع شجرة.

أثناء وصف كل شخص من الستة للفيل, كان كل من في المكان يقهقه بصوت عال ساخراً من الأوصاف العجيبة للفيل إلا الحاكم فقد كان يسمع بإصغاء كامل ووقار شديد وبعد أن انتهى الستة من وصفهم للفيل, وقف الحاكم وأشار لجموع الحاضرين بأن يكفوا عن الضحك, وبعد أن هدأ الجميع قال الحاكم موجهاً كلامه للجميع:

“لماذا تسخرون من العميان الستة؟, فكلهم صادق في وصفه للجزء الذي لمسه من الفيل, فلأول قال أن الفيل يشبه الحبل لأنه لمس الذيل فقط, والثاني قال أن الفيل كالحائط لأنه لمس الجسم فقط, والثالث قال أن الفيل كالخنجر لأنه لمس الناب, والرابع قال أن الفيل كالثعبان لأنه لمس الخرطوم, والخامس قال أن الفيل يشبه المروحة لأنه لمس أحدى الأذنين, والأخير قال أن الفيل كجذع الشجرة لأنه لمس القدم “.
بذلك فقد أصاب كل شخص من الستة جزء من الحقيقة والخطأ الوحيد الذي ارتكبوه هو أنهم لم يتريثوا ليعرفوا الحقيقة كاملة, ونحن أيضاً بلا استثناء نقع في هذا الخطأ كثيراً, نتحدث عن جزء من الحقيقة ونعتقد أن هذا الجزء هو الحقيقة كاملة, فنتمسك به ونتعصب من أجله,نهاجم من يعارضه ونحارب الآراء الأخرى, وذلك ببساطة لأننا لم نحيط

الضفادع الاربعة

إليك هذه القصة القصيرة التى كتبها ” جبران خليل جبران ” ، لكى ندلل على أن إختلاف الرؤى ، لا يعنى بالضرورة صحة أحداهم ، وخطأ الباقين .

” جلس أربع ضفادع على قرمة حطب ( جزء من جزع شجرة ) عائمة على حافة نهر كبير . فجاءت موجة هوجاء واختطفت القرمة إلى وسط النهر ، فحملتها المياه وسارت بها ببطء مع مجرى النهر . فرقصت الضفادع فرحاً بهذه السياحة اللطيفة فوق المياه ، لأنه لم يسبق لهنّ أن أبحرن بعيداً من ذى قبل .

وبعد هنيهة صرخت الضفدعة الأولى قائلة : ” يا لها من قرمة عجيبة غريبة ! تأملن أيتها الرفيقات كيف تسير مثل سائر الأحياء . والله إننى لم أسمع قط بمثلها ” .

فأجابتها الضفدعة الثانية وقالت : ” إن هذه القرمة لا تمشى ، ولا تتحرك أيتها الصديقة ، وهى ليست عجيبة غريبة كما توهمت ، ولكن مياه النهر المنحدرة بطبيعتها إلى البحر تحمل هذه القرمة معها وتحملنا نحن أيضاً بانحدارها ” .

فقالت الضفدعة الثالثة : ” لا لعمرى ، فقد أخطاتما أيتها الرفيقتان فى خيالكما الغريب . فإن القرمة لا تتحرك والنهر أيضاً لا يتحرك ، وإنما بالحقيقة أن فكرنا هو المتحرك فينا ، وهو الذى يقودنا إلى الاعتقاد بحركة الأجسام الجامدة ” .

وتناظرت الضفادع الثلاث فى ما هو متحرك بالحقيقة . وحمي وطيس الجدال وعلا الصراخ بينهن ، ولم يتّفقن على رأى واحد .

ثم التفتن إلى الضفدعة الرابعة التى كانت – إلى تلك الساعة – هادئة صامتة تصغى إليهن بانتباه واستيعاب ، وسألنها رأيها فى الموضوع .

فقالت لهنّ : ” كلكنّ محقات أيتها الرفيقات ، ولا واحدة منكنّ على ضلال . فإن الحركة كائنة فى القرمة ، وفى النهر ، وفى فكرنا فى وقت واحد ” .

فلم يرقهنّ ذلك الكلام ، لأن كلّ واحدة منهنّ كانت تعتقد أنها وحدها المصيبة ، وأن رفيقاتها لفى ضلال مبين . وما أغرب ما حدث بعد ذلك ! فإن الضفادع الثلاث تسالمنّ بعد العداء ، وتجمّعنّ فرمَينّ بالضفدعة الرابعة من على القرمة إلى النهر .

جبران خليل جبران