في القصر
مرت سنة او لعلها اكثر من سنة ، وانا اكتب الان في الجناح الذي اقيم فيه في القصر تحت حراسة هيجاي، كان هيجاي احد عبيد الملك، وكان خصيا، ولكن نفوذه كان يفوق نفوذ اقوى رجل في المملكة!
لم اكتب شيئا خلال السنة ، لاني كنت اجتاز اقسى ازمة نفسية في ذلك الوقت. جاءني عمي منذ اكثر من سنة واخبرني ان علاقته بهيجاي جعلته موضوع ثقة، وانه اي هيجاي رأى فيه غير ما رآه في الاخرين.
وفي احدى الليالي قال هيجاي لعمي، لماذا لا تحضر ابنة عمك الى القصر فهي حسناء بل اجمل حسناء رآها، وذهل عمي وسأل كيف عرف ذلك. واجاب هيجاي انه يملك لا عينين فقط كما يملك سائر الناس. انه يملك الوف العيون في كل مكان، يقصد جواسيسه. وقال هيجاي ايضا انه رآني ورأى فيّ اكثر من جمال الجسد، وهو يوقن اني سأحوز رضوان الملك. وذعرت من الخبر. ولكني تجلدت وقلت لعمي، لا شك انك تعللت بمختلف العلل حتى لا تستجيب لطلب هيجاي. وقال عمي انه فعلا عمل ذلك، وانه استطاع فعلا ان يؤجل القدر مدة، ولكنه اضطر ان يرضخ اخيرا. وقبل ان اتكلم قال:
“ان الترتيب الذي نظمه الحكماء ان الفتاة بعد ان تجتاز ما دعوه “سنة التجميل”، ان تزف الى الملك الذي يقضي معها ليلة واحدة ثم يصرفها في الصباح. ان قصور السراري في حراسة شعشار، وتبقى هناك منسية بالطبع. وها قد مرت ثلاثة شهور لم يذكر الملك من السبعين فتاة الا واحدة – دعاها اليه في احد الليالي ثم صرفها. كانت العذراء الجميلة تعد لزواج ليلة واحدة. وقد احسست ان هذا ليس زواجا. انه نوع من الفجور. وفي نفس الوقت هو سجن مؤبد “للزوجة” او “السرية”. حسناء يتزوج منها الملك ويقضي معها ليلة واحدة، ثم توضع في بيت السراري بعد ذلك الى اخر حياتها. واذا مات الملك يرثها الملك الذي يليه.
ان هذا لا يكون. على ان هيجاي لم يتركني في راحة. فذهبت استشير اخوتي ابناء وطني، وكان من رأيهم ان اخضع للامر، فمن يعلم فربما كانت ارادة الله الصالحة لشعبنا – ان يكون لنا ظهير في القصر. وقد علمت ان رجال الملك سيأتون ويأخذوني بعد ايام الملك. كان وقع الخبر عليّ كالصاعقة وسقطت عند قدمي عمي، اضرع ان يحميني من هذا المصير المفزع. انني افضل ان اتزوج من افقر رجل من ابناء جنسي على ان “اتزوج” من حيوان لا يطلب من الزواج الا اشباع شهوته. وبكيت ما استطعت البكاء ، وحاول عمي ان يهدئ من روعي وقال اننا في يد الله يا بنيتي وارادته للخير دائما وسيعطيك الله نعمة فتلبسين التاج. فصرخت قائلة: “انني اكره هذا التاج!.. نني اكرهه!. انه ليس تاجا. انه قيود مخيفة. انني سأكون عرضة لاكثر مما تعرضت اليه وشتي النبيلة”.
وقال عمي: “انه لا يتفق معي في عنادي ، ان دخولي القصر سيكون خدمة لابناء جنسي. نعم ان ابناء جنسنا محتقرون مذلون ولكن من يعلم لربما تقدمين خدمة يوما ما، ومع ذلك لا داعي لان تخبري انك من جنسنا المحتقر..
وجاء اليوم. جاءت فرقة من الخصيان وحملتني حملا الى القصر، وتسلمني هيجاي كبيرهم، وكان لطيفا معي، رأى دموعي فواساني، وعلم اني غير راغبة في هذا المجد الذي تتهافت عليه الوف الفتيات. احسست انه ينظر اليّ بتقدير وحب، وكأنه اب لي. فرتب لي سبعة من الوصيفات الجميلات، وعيّن لي جناحا بعيدا عن بقية الفتيات، كان من احسن الاجنحة في القصر، بل احسنهم جميعا. وسأل ماذا اطلب من الاطياب والادهان والعطور وادوات الزينة. فقلت له اني لا اطلب شيئا بالمرة.
بدأت خدمة تجميلي ستة شهور عطروني فيها بزيت المر، وستة شهور بالاطياب وادهان تعطر النساء، على اني عشت في القصر غريبة لم اختلط باي من العذارى الاخريات، لم يكن معي غير وصيفاتي الحلواتالرقيقات. كانت اياما قاسية عليّ ، لاني كنت انظر برعب الى اليوم الذي يقتادوني فيه في طريق الحديقة الى جناح “الحيوان” الذي يدعونه الملك. على ان صورة الحزن التي كانت منطبعة في وجهي كستني بحلاوة جعلت الجميع يحبونني، وجعلت هيجاي يوليني عناية خاصة. وكان عمي يسأل اليّ بين حين واخر ليطمئن على احوالي.
لا استطيع ان اكتب ما رأيت داخل القصر، انني لم ارى بالطبع كل شئ لاني كنت في شبه عزلة، ولكن ما رأيته جعلني ابغض القصر وسكان القصر. لم يكن القصر ازيد من “زريبة خنازير” كبيرة. كان الناس يقولون انه قصر جميل ، وكنت انا اراه “زريبة” مملوءة بالوحل. كان الناس يقولون ان المقيمات فيه حسناوات العالم بل ملائكة النعيم – اجمل الاجسام، ارق النساء، انعم الاصوات. اه، لو رآهن الناس على حقيقتهن لرأوا احقر الكائنات، اجسام مشتعلة بالشهوة والحديث لا يزيد عن اوقح ما تتكلم به الزانيات. كنت اسد اذنيّ اذا حدث ان بلغ الى سمعي احاديثهن. لا شئ الا الجنس وما يحيط بالجنس من كلام كان يصيبني بالغثيان، ثم التكتلات والمؤمرات والدسائس. ولقد حاكت لي كثيرات من الدسائس ما كان يكاد يوردني موارد التهلكة، ولولا عطف الرحمان لكنت الان في خبر كان. لولا قدر الله لي هيجاي الخصي النبيل وخادماتي المخلصات اللواتي كن بمثابة اخوات لي لبلغت حتفي.