مدارس الراكوبا

ثمة صرخات تشق قلب العشش، انها صرخات الاطفال الذين جاءوا الى العالم. ها نحن من جديد، لحم من لحمي يئن فوق ارصفة شوارع مدينة الخرطوم، فصراخ اي طفل يصيبك بصدمة فتسرع اليه تأخذه بين ذراعيك وتكفكف دموعه.

في الصباح حين كنت اذرع الشوارع كانت الصدمة تكاد تمزق الاحشاء. كان الاطفال النصف عرايا، جلد اسود فوق هيكل عظمي متحرك وارجل كالعصي تترنح من الوهن، عيون سوداء تكاد تخلو من الوجوه الجائعة. بعضهم غرس اظافره الضعيفة في لحمي وتشبث بي ولسان حاله يقول: “انقذيني”.

الشوارع مليئة بالاولاد تتراوح اعمارهم بين الخامسة الى العاشرة، ممزقي الثياب مستندين الى الحوائط يعيشون من جمع الصدقات ومن الشغب: سرقة، دعارة، تعاطي. اما المراهقون فيتسكعون ، وهم نبتة لقطاع الطرق بعد ذلك!

لقد عملت بالتدريس لمدة 40 عاما واعرف جيدا قيمة التعليم. قلت لمرافقي:

– “سيمون يجب علينا انشاء مدارس”.

– من اجل سبعة الاف تلميذ؟! انها تتطالب ملايين الجنيهات، اين ستجدين هذه الاموال لانشائها؟ الاولى بنا ان نقيهم شر الموت جوعا اولا!

ولحسن الحظ فقد وجد سيمون الحل.

– علينا انشاء مدارس الراكوبا المبنية من البوص والثمن ليس غاليا.

– بالبوص؟

– نعم، فتيار الهواء يمر من خلالها ويقلل من شدة الحرارة.

===

عن كتاب “اعترافات راهبة” – السيرة الذاتية لحياة الاخت ايمانويل الراهبة الفرنسية الحاصلة على الجنسية المصرية.