كان الاصدقاء الاربعة يجلسون معا على العشب في صحبة الاب كارول. قالت ماريا وهي تلوي يديها وتشير الى نقطة بعيدة،
“هل لم يسبق ان رأيت غزال من قبل؟”
“قال الاب وهو يبتسم:
لقد رأيت. شاهدته في طبق حساء”.
“ها ها.” ايها الاب كارول، كنت اقول الحقيقة فقط”.
– لكنك افسدت شعر اللحظة. الشعر ليس شيئا بالنسبة الى الالم والحزن.. وكما تعلمين فالشعر هو قول الحقيقة بطريقة لا يمكن ان تنس!
انتابت اناستاسيا نوبة ضحك. وافلحت في ان تنطق اخيرا فقالت له:
– وهل انت لا تشعر بالالم.
– وهما لا يشعران ايضا.
– اتقصد انك تريد قيام ثورة؟
– يجب ان اكون ثوريا. انا مسيحي.
– ولكن أليس الثورة تعني صنع التغيرات. على المسيحيين ان يتجددوا يوميا.
ماذا؟ تجديد؟ .. البولنديين ليسوا بحاجة الى التجديد. انهم بحاجة الى ثورة.
– اتراك تريد الحصول على تغيير شامل دفعة واحدة؟
نظر اليه نظرة حادة ثم اجابه بصوت جازم بعد صمت قصير:
ثورة شعب لا تعني شيئا في مقابل تغيير قلب شخص واحد. انت تريد تغيير بولندا ، فهل تغير نفسك؟.. اجل دعنا نخاف على القلوب، وفي نفس الوقت سيفعل النظام ذلك.. يمكننا ان نفعل ونعجل الامور، نبدأ في الوثوق ببعضنا البعض.. وسيكون ذلك انتصارا على النظام.
**
ها هي ترى اخر الامر، من خلال نافذة الغرفة، نظرة حزينة كابية يلقيها عليها نهار عكر حائل اللون من نهر الخريف، فتثقل هذه النظرة كثيرا من العبوس. انها في العاصمة بوخارست ، في شارع الدكاكين الستة، في مسكنها بالطابق الثالث من عمارة كبيرة. تحاول ان توقظها الخادمة دون جدوى .. فلما حدست الخادمة انها مريضة سألتها:
– تريزا! ما بك؟ الست بخير؟
حركت شفتيها الواهنتين ببط شديد دون ان تنطق:
– سوف اتصل بالطبيب بسرعة.
– لا تستدعي طبيبا. بل الاب كارول.
– حسنا. لكنك مريضة؟
اردفت تقول وهي تميل عليها:
– انهض. هانذا اتيك بشئ من الشاي.
– نعم، .. اشعر بدوار في رأسي.. حاولت ان تنهض بمساعدة الخادمة وجلست على كرسي . وضعت كوعيها على المنضدة، وضغط رأسه بين يديه. كانت تئن كم دق مسمار في رأسها.
بعد الساعة تقريبا جاء الاب كارول .. كانت ترقد على فراشها و بدا الارهاق الشديد عليها ويظهر ذلك من وجهها المصفر.. حينما حيّاها الاب. فتحت عيناها وقالت ببطء:
– مرحبا ايها الاب كارول! طلبت من صوفيا ان تستدعيك لانني سوف انجب طفلا. لم ارى والد الطفل منذ شهور. لقد التقينا في احد المخيمات التي ينظمها الحزب .. في احد تلك المخيمات التي يشجعونك فيها على الزواج. يقولون انها تخلصك من تعقيدات البورجوازيين والتنشئة التقليدية الساذجة. وها انا الان مع هذا الطفل الذي.. الذي ينمو في داخل احشائي. فاذا ابقيته، عندها لن استطيع الاشتراك في الالعاب. لقد كنت اتمرن منذ عدة سنوات حتى استطيع الاشتراك في تلك المسابقات. ماذا يجب علي ان افعل؟
كذلك قالت دون ان يقاطعها الاب ثم راحت تنتحب.
بعد صمت قال:
– عليك ان تقرري ايهما تختارين.. انت عند نقطة تحول مصيرية! وعندما تتخذين قرارك لن تعود الامور ابدا كما كانت. ولن تعودي فتاة كذلك ابدا، فاما ان تكوني اما ضحت بفرصة مشاركتها في الالعاب، واما ان تكوني رياضية ضحت بطفلها.
بعد انصراف الاب كارول تستغرق في تفكير عميق.. تتمنى لو ترتد لحظة الى الوراء. ومع ذلك لم تلبث ان جلست على الفراش بعد هنيهة، ربما لانها اهتدت الى الفكرة المحورية التي كانت تدور حولها تهاويل فكرها المضطرب المشوش. تحاول ان تتمرن ولا تتمكن.. فتستسلم.
وتقول : لا.. وسرعان ما هرعت الى مرآة صغيرة مستديرة كانت موضوعة على منضدة. ان الوجه الذي يتراءى في المراة رث بعض الشئ، عيناها اللتان تشبهان ان تكونا مغمضتين قد تورمتا من النوم. انه وجه من تلك الوجوه الذي ليس لها طابع يميزها، فلا يمكن ان تلفت النظر من اول وهلة. ومع ذلك فقد بدا على صاحب الوجه انها غير راضية عن ه بعد ان تفرست في ملامحها.
ثم كررت:
لا، الحمد لله! لو كان قد حدث لي شئ في الصباح وانا في صالة الالعاب امام المتفرجين لكان امر سخيق مزعج بحق.
اعادت المرآة الى مكانها. ورغم انها كانت حافية القدمين ، ورغم انها ما زالت في ملابس الليل، هرع نحو نافذة غرفتها التي تطل على فناء العمارة، واخذ ينظر ما يجري ما باهتمام شديد.