يوميات الاب كارول #3

Karol

 

كان الاصدقاء الاربعة يجلسون معا على العشب في صحبة الاب كارول. قالت ماريا وهي تلوي يديها وتشير الى نقطة بعيدة،

“هل لم يسبق ان رأيت غزال من قبل؟”

“قال الاب وهو يبتسم:

لقد رأيت. شاهدته في طبق حساء”.

“ها ها.” ايها الاب كارول، كنت اقول الحقيقة فقط”.

– لكنك افسدت شعر اللحظة. الشعر ليس شيئا بالنسبة الى الالم والحزن.. وكما تعلمين فالشعر هو قول الحقيقة بطريقة لا يمكن ان تنس!

انتابت اناستاسيا نوبة ضحك. وافلحت في ان تنطق اخيرا فقالت له:

– وهل انت لا تشعر بالالم.

– وهما لا يشعران ايضا.

– اتقصد انك تريد قيام ثورة؟

– يجب ان اكون ثوريا. انا مسيحي.

– ولكن أليس الثورة تعني صنع التغيرات. على المسيحيين ان يتجددوا يوميا.

ماذا؟ تجديد؟ .. البولنديين ليسوا بحاجة الى التجديد. انهم بحاجة الى ثورة.

– اتراك تريد الحصول على تغيير شامل دفعة واحدة؟

نظر اليه نظرة حادة ثم اجابه بصوت جازم بعد صمت قصير:

ثورة شعب لا تعني شيئا في مقابل تغيير قلب شخص واحد. انت تريد تغيير بولندا ، فهل تغير نفسك؟.. اجل دعنا نخاف على القلوب، وفي نفس الوقت سيفعل النظام ذلك.. يمكننا ان نفعل ونعجل الامور،  نبدأ في الوثوق ببعضنا البعض.. وسيكون ذلك انتصارا على النظام.

**

ها هي ترى اخر الامر، من خلال نافذة الغرفة، نظرة حزينة كابية يلقيها عليها نهار عكر حائل اللون من نهر الخريف، فتثقل هذه النظرة كثيرا من العبوس. انها في العاصمة بوخارست ، في شارع الدكاكين الستة،  في مسكنها بالطابق الثالث من عمارة كبيرة. تحاول ان توقظها الخادمة دون جدوى .. فلما حدست الخادمة انها مريضة سألتها:

– تريزا! ما بك؟ الست بخير؟

حركت شفتيها الواهنتين ببط شديد دون ان تنطق:

– سوف اتصل بالطبيب بسرعة.

– لا تستدعي طبيبا. بل الاب كارول.

– حسنا. لكنك مريضة؟

deathbed

اردفت تقول وهي تميل عليها:

– انهض. هانذا اتيك بشئ من الشاي.

– نعم، .. اشعر بدوار في رأسي.. حاولت ان تنهض بمساعدة الخادمة وجلست على كرسي . وضعت كوعيها على المنضدة، وضغط رأسه بين يديه. كانت تئن كم دق مسمار في رأسها.

بعد الساعة تقريبا جاء الاب كارول .. كانت ترقد على فراشها و بدا الارهاق الشديد عليها ويظهر ذلك من وجهها المصفر.. حينما حيّاها الاب. فتحت عيناها وقالت ببطء:

– مرحبا ايها الاب كارول!  طلبت من صوفيا ان تستدعيك لانني سوف انجب طفلا. لم ارى والد الطفل منذ شهور. لقد التقينا في احد المخيمات التي ينظمها الحزب .. في احد تلك المخيمات التي يشجعونك فيها على الزواج. يقولون انها تخلصك من تعقيدات البورجوازيين والتنشئة التقليدية الساذجة. وها انا الان مع هذا الطفل الذي.. الذي ينمو في داخل احشائي.  فاذا ابقيته، عندها لن استطيع الاشتراك في الالعاب. لقد كنت اتمرن منذ عدة سنوات حتى استطيع الاشتراك في تلك المسابقات. ماذا يجب علي ان افعل؟

كذلك قالت دون ان يقاطعها الاب ثم راحت تنتحب.

بعد صمت قال:

– عليك ان تقرري ايهما تختارين.. انت عند نقطة تحول مصيرية! وعندما تتخذين قرارك لن تعود الامور ابدا كما كانت. ولن تعودي فتاة كذلك ابدا، فاما ان تكوني اما ضحت بفرصة مشاركتها في الالعاب، واما ان تكوني رياضية ضحت بطفلها.

بعد انصراف الاب كارول تستغرق في تفكير عميق.. تتمنى لو ترتد لحظة الى الوراء. ومع ذلك لم تلبث ان جلست على الفراش بعد هنيهة، ربما لانها اهتدت الى الفكرة المحورية التي كانت تدور حولها تهاويل فكرها المضطرب المشوش. تحاول ان تتمرن ولا تتمكن..  فتستسلم.

وتقول : لا.. وسرعان ما هرعت الى مرآة صغيرة مستديرة كانت موضوعة على منضدة. ان الوجه الذي يتراءى في المراة رث بعض الشئ، عيناها اللتان تشبهان ان تكونا مغمضتين قد تورمتا من النوم. انه وجه من تلك الوجوه الذي ليس لها طابع يميزها، فلا يمكن ان تلفت النظر من اول وهلة. ومع ذلك فقد بدا على صاحب الوجه انها غير راضية عن ه بعد ان تفرست في ملامحها.

ثم كررت:

لا، الحمد لله! لو كان قد حدث لي شئ في الصباح وانا في صالة الالعاب امام المتفرجين لكان امر سخيق مزعج بحق.

اعادت المرآة الى مكانها. ورغم انها كانت حافية القدمين ، ورغم انها ما زالت في ملابس الليل، هرع نحو نافذة غرفتها التي تطل على فناء العمارة، واخذ ينظر ما يجري ما باهتمام شديد.

يوميات الاب كارول 2

Karol

ذلك الصباح الذي يملؤه الجليد والضباب من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، كان “ادوار” رئيس البلدية في رفقة “كرامتش” الحاكم الذي عينه الحزب لوضع قرارت الحزب موضع التنفيذ. قدم كرامتش للمدينة في زيارة مباغنة لمراجعة الانشاءات التي قرر الحزب اقامتها. بالمدينة ولولا سوء الطالع لكان كل شئ على ما يرام.

 

قال “ادوار” في ارتباك واضح مرحبا بالحاكم:

– اهلا بك، كومبانيون كرامتش. انني ارغب في ان اريك التقدم الحاصل في عملية بناء “اللاهوتا”.

صوّب كرامتش نظره نحو البناء الذي لم يكن قد اكتمل ، وقال في صوت اجش حاسم:

“لا تنس ان الحاكم يتطلع الى رؤية البناء عندما ينتهي العمل به.”

وقعت اجابة كرامتش منه وقع ضربات السوط على الظهر، فقال وفمه يرتعش رعشة تعتري الفم الذي يهم بارتشاف جرعة من كأس ماء متجمد:

“حسنا، سأبذل قصارى جهدي وسأجعل العمال يعملون بشكل اكبر، كومبانيون كرامتش.”

حدق كرامتش ببصره فيه، ثم التفت الى البناء، و ابتسم ابتسامة متغصبة وقال:

“انا متأكد من ذلك.”

***

كان اندرو يقود السيارة، حين هتف بيتر:

– انظروا! لابد انها الكنيسة.

وفي ضوء عمودي انارة ينتصبان في مدخل الكنيسة، رأى فيليب الكنيسة فدمدم يقول لنفسه:

–  هذه اول مرة اقدم فيها الى هذه الكنيسة.

وقالت ماريا:

–  وهذه اول مرة لي اشاهد فيها كنيسة.  ولكن هيا بنا .. لديّ تمرين اليوم بعد ساعتين.

فقال بيتر بصوت جازم على الهدوء:

– الا ينبغي لنا ان ندخل لنصلي اولا؟

قال اندرو:  مهلا يجب الا نغامر. هذه اول مرة نحضر فيها الى هنا.

لكن بيتر تململ وهو نافذ الصبر:

لكن يا شباب. انها فرصة. انا لن افوتها. انها بضعة دقائق.  دعونا ندخل.

دخل الاصدقاء الى الكنيسة وتأملوا للحظات مبانيها الفخمة والعتيقة في ان واحد.

 

وبضجر واضح طلبت اليهم ماريا:

– انا في عجلة. هيا بنا ننصرف.

كان بيتر ينظر الي دون ان يحرّك ساكنا:

قاطعهم صوت يقول في وقار:

“انا اعرف لم جئتم هنا.  انكم جئتم لكي تدفعوا ما يتوجب عليكم دفعه من مال.

اوه! …

“ماذا؟ ألم تشاهدوا راهبا من قبل؟”

قال اندرو:

السيد جونسون يخدع الشرطة مثلك.

– ولكن هذا ليس خداعا. هذا شئ افعله عندما تدعو اليه الحاجة فقط على اية حال اسمي كارول.. الاب كارول. وانتم، ما هي اسماءكم؟

ايها الاب كارول. لن يكشف احد منا عن الاسم الحقيقي لاننا… لاننا لا يمكننا الوثوق بأحد.

قالت ماريا:

– اننا نستخدم اول رقمين من ارقام وجودنا في الجامعة.

وقال بيتر: “الجميع يفعل هذا في الجامعة. انا رقمي 76.

وقال اندرو:

“وانا 84.”

وقال ستيف ماريا: وانا “33.”

واخيرا قال ماريا وهي تنزل حقيبته عن ظهره: وانا “47.”.

اقترب الاب وهو يضع يده على كتف ستيف وقال: “اصبتم.. في الحقيقة لقد كنت اعيش في ايطاليا. ما كنت اعرف ان الوضع سئ هنا الى هذا الحد. يا ترى، هل الى هذه الدرجة لم يعد البولنديون يثقون في بعضهم البعض؟! .. لكنني، على اية حال، اعرف كل فرد منكم!

تبادل الاصدقاء نظرات قلقة، قطعها قول بيتر:

“ماذا تقصد؟”

“انني اعرفكم اكثر مما تظنون. دعونا نرى! .. رقم “47” انت مسئول عن جميع الخدع وانت شجاع، لكني لو كنت مكانك لفكرت مرتين قبل ان اعبث مع الحزب.

“حزب؟”

“ما اردت قوله؟ ذلك الطلاء الذي اشتريته من السوق السوداء. انت تريد ان تلطخ جدران البنايات بشعار معاد للحزب.

“انا لم اشتر شيئا.” وتبادل مع اصدقائه نظرات قلقة صامتة.واظلمت وجوههم بعد ان كانت ترتسم بملامح البشاشة، وبدا عليهم من جهة اخرى انهم لم يستوعبوا بعد المفاجأة.

تابع الاب كلامه:

“76 ” انت رياضية في غاية الطموح. وتتوقين الى الفوز .. ولاجل ذلك اشتريت شريطا من السوق السوداء لكي تتمرني خارج حصص التدريب..

ثم حدق ببصره في ماريا قائلا: “38” انت فتاة خجولة ولكنك مصممة جدا. لقد تمرنت كثيرا جدا حتى قطعت اوتار الكمان. “84” انت رياضي حقيقي ولقد اوقعت نفسك في مشاكل لتحصل على حبل تسلق من السوق السوداء. ولكنك لم تجد احدا يمسك لك طرف الحبل، لانك تذهب دائما الى الجبال بمفردك.. لا تقلق فلسوف نحضر معك يوم الاحد القادم. اليس كذلك ايها الشباب؟ برأيي هناك مساحات كثيرة خالية من الجبال . اعرف طرقات لم تسلكوها من قبل.

قال بيتر وهو يبتسم ابتسامة ضارعة: “ارشدني اليها!

صاحت ماريا مشرقة المحيّا  “وانا ايضا!”

وكرر اندرو ما قاله “وانا ايضا!”

ضحك الجميع فيما يودعون الاب. وقال بيتر مخاطبا اندرو:

سنساعدك على الامساك بطرف الحبل الاخر.

**

keramitch

كراميتش

كان يقف بعيدا بعض الشىء ناظرا ناحية البناء الذي ما زال العمل يجري فيه بدأب. التفت واشار بيده وقال:

“يوجد 400 شقة في كل مجمع من هذا. ولقد صممت حوله سلالم فردية بحيث اذا اراد فرد ان يتحدث الى اخر. عليه ان ينزل من الدرج ويخرج للخارج ومن ثم يصعد الى سلم الاخر. هذا لا يشجع على الاجتماعات الخاصة ومن ثم سيتعلم المواطون ان يجتمعوا اذا اراد الحزب ذلك.

قال الكومبانيون: “ولكن يمكن للعائلات ان تجتمع داخل كل شقة!”

ابتسم ابتسامة صفراء قائلا: “اردت ان اثيرك للتحدث عن هذه النقطة يا كومبانيون كرانتيش. من فضلك اتبعني.

صعد الاثنان الى الطابق الثاني. جال الكومبانيون ببصره في احدى الشقق ثم قال باستنكار:

“شقق غرفها مذرية”.

استسلم للتعليق وقال مستدركا:

“هذا صيح، هذا سيمنع البولنديون من الاجتماعات الخاصة. وسيشجعهم على الخروج. اما اطفالهم فسيوضعون في حاضنات ومدارس وجامعات منذ الصغر.

عقب الكومبانيون معلقا:

“انه عمل ممتاز ايها المهندس! سنعطي هذه الشقق مجانا لكل من يحتاج اليها. وسيترعرع جيل جديد من البولنديين. نساء ورجال متحررين من الطريقة القديمة للنظر الى الاشياء ومنها ..

لم يكمل الكومبانيون حديثه. لكن ادوار تابع كلامه:

“الدين”..

لم يجب الكومبانيون ، بل اشار بيده وقطع حديثه سائلا:

“اه، ماذا يفعل هذا الراهب في موقع البناء؟”.

كان يقف بالاسفل رجلا بزي الكهنة، ويقف حوله 4 من الشباب.

“اه. انه الاب كارول .. انه يتجول هنا يوميا. لقد كان عاملا هنا منذ ايام الحرب .. ”

يبدو ان منظره اثار الكومبانيون، فاخرج يده من جيبه وبها علبة السعوط. اخذ قبضة بين اصبعيه قرّبها الى انفه، ثم قال معطيا اوامره:

“ادوار، اطلب من عميلين ان يعتقلا هذا الراهب حالما يتجاوز الحد المسموح به”.

انتفض ادوار عالما انه يتلقى امرا، لمس جبهته بيده قائلا:

“في الحال، سيدي”.

ثم همس كمن يناجي نفسه: “الرهبان، يخدعون الناس البسطاء. الاقوياء يستغلون الضعيف. الاغنياء يسرقون الفقير. كل ذلك المتاع قديم. وعندما تنتقل الى منزل جديد تتخلص من المتاع القديم. ان افكارهم بالية وقد عفا عنها الزمن. قريبا سيتخلص الناس من سيطرة افكارهم العتيقة.

**

شكرا لكما ”

تأوهت وهي تستعيد في ذاكرتها تفاصيل مؤلمة. كانت الدقيقة الاولى اسوأ اللحظات: لقد عادت من المسرح برفقته مبتهجة، وبيده اجاصة كبيرة، كانت مستغرقة في نشوة تجلس وبين اصابعها بطاقة تطالعها:

سألته وهي تريه البطاقة:

ما هذا؟

لم تتدرب على رقصات الباليه، فتدرك ان حملها يعوقها.

**

وصل اندرو الى المكان المتفق عليه، واذ لمح شعاعا من الضوء ينفذ من خلف احدى الستائر المنسدلة على نافذة من النوافذ المطلة على شارع الكنيسة، اضطرب قليلا. لكن الشارع الذي كان يكتنفه الظلام الا من بعض انوار انبعثت من مصابيح تصطف على جانبي الشارع يفرق بينها مسافات ليست قليلة، جعلت الشارع في اغلبه مظلما. التمعت عيناه بفرح والابتسامة على شفتيه حين رأى رفيقه. نعم، كان ذلك جميلا ، جميلا جدا ومثيرا جدا. وكان هناك ايضا كثير من الاشياء المثيرة، لكن ذلك لا يمكن ان يعبر عنه سوى بكلمات الاستحسان يقولها الرجل لصديقه:

“مدهش 47!”.. ارى انك احضرت الطلاء!”

انتقلت الابتسامة الى شفتا بيتر ايضا وهو يقول بكلمات يملأها الفخر:

“نريد ان نترك تأثرا. ليدرك العالم كله ان البولنديين لا يقبلون بحكم الروس”.

ومد يده وهو يخط بالفرشاة على جدار سور الكنيسة عبارة تقول: “الحرية لبولندا”.

سرب الاوز

core201_01

كان هناك رجل لا يؤمن بالله، و لم يتردد في اخبار الآخرين عن شعوره وافكاره الالحادية حول الدين والأعياد الدينية، مثل عيد الميلاد. لكن زوجة هذا الملحد كانت مؤمنة، وربت أطفالها على الإيمان بالله ويسوع.

وفي ليلة عيد الميلاد، اخذت الزوجة أطفالها إلى الكنيسة لحضور ليلة عيد الميلاد فيها. طلبت من زوجها أن يأتي، لكنه رفض. وقال انه “! عيد الميلاد ما هو الا هراء”. “لماذا يضع الله نفسه و يأتي إلى الأرض كإنسان؟ هذا كلام سخيف! “ذهبت هي والأطفال للاحتفال، وبقي الرجل في المنزل.

وبعد مدة، زادت الرياح وهبت عاصفة ثلجية. نظر الرجل من النافذة، كل ما استطاع رؤيته عاصفة ثلجية. جلس على اريكة بالصالة للاستدفاء أمام النار. وما هي الا لحظات حتى سمع دوي عال. كان شيئا اصطدم بالنافذة. ثم ارتطم شئ آخر. تطلع الرجل للخارج، ولكنه لم يتمكن من الرؤية الى مدى أكثر من بضعة أقدام. اصاخ السمع قليلا، ثم غامر للخروج الى خارج لمعرفة ما الذي اصطدم بنافذة منزله. وفي الحقل قرب منزله وجد سربا من الإوز البري. على ما يبدو أنه كان يتجه جنوبا لقضاء فصل الشتاء  في البلاد الدافئة ، ولكنه حوصر في عاصفة ثلجية واصبح غير قادر على مواصلة الطيران. اصبح سرب الاوز البري بلا طعام أو مأوى. كان الاوز يخفق بأجنحته ويطير في دوائر على مستوى منخفض حول المنزل ، وكأن جميع الاوزات اصبحت عمياء وبلا هدف.

“لا شك ان اثنتان من هذه الاوز هما اللذان ارتطما بنافذة المنزل”، هكذا فكر الرجل في نفسه.

شعر الرجل بالاسف لهذا الاوز وأراد مساعدته.

“ان الحظيرة تمثل مكانا رائعا بالنسبة لهم للبقاء فيه حتى هدوء الجو”، فكر الرجل في نفسه. “ان الحظيرة دافئة وآمنة. من المؤكد أن الاوزات يمكنها قضاء ليلة والانتظار حتى زوال العاصفة.

ذهب الرجل الى الحظيرة وفتح الأبواب على وسعها، ثم راقب ماذا يحدث، وانتظر قليلا على أمل أن الاوزات سوف تلاحظ الحظيرة المفتوحة وتدخل الى داخلها. لكن الاوز رفرفت باجنحتها بلا هدف ولا يبدو أن لاحظت الحظيرة أو انها تدرك ما قد تمثله بالنسبة لهم. عبثا حاول الرجل لفت انتباه الاوز، وعلى ما يبدو انه فقط عمل على اخافتها وابتعادها بعيدا.

دخل إلى البيت وخرج بعد لحظات ومعه بعض الخبز، وصار يفته الى فتات، ويضع فتات الخبز في مدخل الحظيرة. ولكن عبثا ما فعله.

الآن شعر انه محبط. وصل إلى الجانب الآخر من الحظيرة، وتطلع نحو الحظيرة وما تمثله للاوز من مكان دافئ وآمن، لكنها فقط خائفة وتحوم في كل اتجاه إلا نحو الحظيرة. لا شيء مما فعله قادها للذهاب الى الحظيرة.

“لماذا لا يتبعوني؟!” وقال الرجل. “ألا يمكن أن يروا ان هذا هو المكان الوحيد الذي يمكّنهم من البقاء على قيد الحياة والنجاة من العاصفة؟”

فكر لحظة، وأدرك أن الاوز لن يتبع انسان بل يتبع اوزة مثله. “لو كنت فقط أوزة، لتمكنت من إنقاذها” قال بصوت يجيش بالأسى.

ثم خطرت له فكرة. ذهب إلى الحظيرة واحضر أوزة من الاوزات التي يربيها، وحملها بين ذراعيه وسار في أنحاء فناء حول المنزل حتى يراها سرب الاوز البري مرة أخرى. ثم اطلقها لتطير. حلّقت الأوزة عاليا ولكنها ما لبثت ان عادت حالا الى الحظيرة ، وهكذا فعلت الاوزات البرية واحدة تلو الآخرى وهكذا جاء جميع الاوز إلى الحظيرة حيث الدفء والأمان.

core201_02

وقف الرجل صامتا للحظة وخطر له ما قاله منذ بضعة دقائق: “لو كنت فقط أوزة، لتمكنت من إنقاذ هذا الاوز!” ثم فكر في ما قاله لزوجته في وقت سابق. “لماذا وضع الله نفسه وأتي إلى الأرض كإنسان؟ هذا كلام سخيف! “فجأة ادرك المعنى. هذا ما فعله الله! كنا مثل الاوز الأعمى، تائهين، هالكين. ارسل الله ابنه وأصبح مثلنا حتى يمكن أن يرينا الطريق ويخلصنا. وكان هذا هو معنى عيد الميلاد.

بعد مدة توقفت الرياح العاصفة وتوقف هطول الثلج ، أصبحت روحه هادئة وفكر هذا الفكر الرائع. فجأة اصبح يدرك ماذا يمثل عيد الميلاد ، لماذا المسيح جاء. سنوات من الشك وعدم الايمان اختفت مثل عاصفة عابرة. سقط على ركبتيه في الثلج، وصلى أول صلاة له: “شكرا لك، يا رب، على مجيئك الى عالمنا في شكل انسان لإنقاذنا من العاصفة”.