يوقظه دوي هائل وعنيف.. من سباته. يفتح عينيه بصعوبة ، مبهور الانفاس، يتصبب عرقا.. ينتابه الاحساس بالضيق البالغ، الجاثم فوق صدره .. من كل شئ وحتى نفسه!.. يصيبه ضعف شديد . يلف رأسه دوار حاد، يفقده توازنه، وهو لا يزال في فراشه! .. ينظر حوله. وزوجته تغط في نومها.. وبطنها المتكور – والذي لم يبل بعد عقب الولادة الاخيرة- يعلو ويهبط مع تتابع انفاسها العميقة! .. وعلى سرير مجاور ، تتكدس بناته الخمس.. المستغرقات في النعاس ، هن ايضا ..
حدّق في ساعته طويلا .. حتى استطاع معرفة الوقت .. على ضوء القمر الشاحب المتسلل عبر النافذة المفتوحة باستحياء.. فيا للغرابة! انها نفس الساعة التي يهب فيها من النوم كل ليلة .. على هذا الدوي، الذي لا يوقظ احدا في الغرفة الا سواه (!!) ..
ظهرت يد الرضيع من تحت الغطاء، صغيرة ووردية اللون واخذت بين الفينة والاخرى ترتجف عند ملامسة خده. ابتسم وهو يشعر بالراحة تغمره فجأة. وللحظة تناول الطفل ووضعه على ذراعيه وهدهده برقة، وارتاح لهذه الفكرة. فهي فكرة رائعة, اب يهدهد ابنه ، انها لصورة قديمة قدم الحياة، ومتجددة في الوقت نفسه طالما ظلت الحياة، عندها شعر وحيد بالدفء يملأ قلبه وبالعاطفة تجتاحه.
عندئذ استيقظ الطفل واول ما استيقظ منه كان انفه الضئيل ، استنشق الهواء، وزفره بدفعات قصيرة وكأنه يعطس، ثم فرك انفه وفتح عينيه. كان لون عينيه يشبه لون الرخام الابيض وتشعان بنور صاف. سمع الدوي مجددا .. في الحال تبخرت فكرة الحياة الشاعرية حول علاقة الاب بابنه وضاعت معها رائحة الام الطيبة. وشعر بنفسه كمن انتزع من غلالة الافكار الحالمة التي احاط نفسه والطفل بها في خياله.. وضع الصغير في مهده ونهض بحركة سريعة .. عندئذ بدأ الطفل بالبكاء، فرك عينيه بظهر احدى يديه الصغيرتين، فتح حلقومه الاحمر على اوسع مداه، واطلق عقيرته بالبكاء جعل وحيد يجفل فمد يده وتناول الطفل مهدهدا اياه وصارخا بصوت يعلو على صراخ الطفل: “دادا دادا” محاولا اسكات الطفل. لكن صراخ الطفل ارتفع وازرق وجهه وبدأ كأنه سيتوقف عن التنفس، الامر الذي جعل الدم يتجمد في عروقه.. تستيقظ الام فيناولها الرضيع.. ما ان يشعر بصدر امها ويسمع نبضات قلبها حتى يهدأ .. اما هو فانه يترك المنزل ويجلس وحيدا على كومة حطب ، كانت قد رتبت قطع الخشب فيها كمقعد ، كانت تفوح من طبقة الحطب رائحة كالتي تقع من احتراق بطئ. اما جدار المستودع فكانت تضوع منه في هذا الدفء رائحة الراتينج. جلس مادا ساقيه على كومة الحطب مسندا ظهره الى الجدار وعيناه مغلقتان ودون ادنى حراك، استلقى مثل دمية خشبية مثل بينوكيو.. يظل يفكر ويفكر..