اعدك يا ابني اني لن اقتلك!

انها اسرة بسيطة مستواها المادي تحت المتوسط بمقدار ليس بقليل ولكن عم اسكندر رب الاسرة استطاع ان يغرس في اسرته القناعة والرضى والسلام. يتحلقون كل مساء حول مائدة الطعام ثم تستمر احاديثهم قرابة الساعة وكل منهم يخرج ما بداخله ويقص اهم احداث اليوم وطرائفه ..

في هذا المساء جلس عم اسكندر كالعادة يحيط به اولاده: ابنتيه مارثا ومريم وابنيه مينا وماركو الذين كانوا في مراحل تعليمية تتراوح بين الصف الاول الاعدادي والصف الثالث الثانوي. ولكن مزاج الام كان متوعكا وهي تحاول جاهدة اخفاء ما بداخلها، وقد ارتسم على وجهها ابتسامة باهتة مما دعى مينا ان يسألها:

– انت تبدين متعبة يا امي؟

الام:

– حاجة بسيطة يا مينا.

ماركو: مالك يا ست الكل؟

رأسي تؤلمني قليلا.

اخذ الابناء يطمئنون على الام وكل منهم يقدم محبته ويعرض خدماته، اما الاب فقد اكتفى بتعليقات بسيطة وكأن هناك سر دفين يعرفه هو وزوجته ويجهله الابناء.

وفي نهاية السهرة قرأوا فصل من الانجيل وكانت القراءة في هذا المساء من انجيل يوحنا:

“المرأة وهي تلد تحزن لآن ساعتها قد جاءت ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد ولد انسان في العالم”(يو16: 22 و 23).

مينا: دائما احلم بأخ صغير يلعب معي.

وختمت الجلسة كالعادة بصلاة النوم وذهب الاولاد للنوم اما الاب والام فقد دار هذا الحديث بينهم.

قالت بصوت مخنوق من الحيرة والخجل:

– كيف يكون منظري امام الاولاد. وماذا سيقول اخواتي وجيراني .. اعتقد انني لن استطيع تحمل نظرات الناس، بعد ما كبر اولادنا ووصلوا الي هذه المراحل العمرية.

– هذا امر الله. لا احد يملك شيئا في موضوع الانجاب، مثله تماما مثل الحياة والموت. الكتاب بيقول “البنون ميراث من عند الرب”.

– لكني عزمت على ان اجهض الطفل.

حاول اسكنر ان يتمالك اعصابه، وقال:

– يا زوجتي العزيزة، كيف تسول نفسك هذا الامر الشنيع؟ هل لكي نحافظ على مظهرنا امام الناس نرتكب خطية تغضب ربنا منا.

هتفت في الحال:

– لكن ربنا يعرف ظروفنا جيدا.

همس اسكندر بهدوء:

– نعم، ربنا يعرف ظروفنا. وسبحانه “بيعطي البرد على قدر الغطاء”. مؤكد ان ربنا الذي سمح بحبلك بهذا الطفل سيوفر رزقه ايضا.. اين ايمانك؟ ألست تسمعين الناس يقولون “كل طفل يولد مع رزقه”.

تنهدت وهي تقول:

– اه لو ابونا حنانيا يعطيني حلا لاجهاض الطفل.

صاح بلهجة واثقة:

– ابونا حنانيا لن يعطيك حلا بهذا ولا اي اب يقدر يعطيك حلا.

اجهشت بالبكاء، وهي تقول بيأس:

– ماذا افعل يا ربي؟.. كل الابواب اغلقت في وجهي..

ثم تمالكت اعصابها وهي تقول باصرار:

لا يوجد امامي غير هذا!.. على العموم انا قررت ان اقترض 200 جنيه من “رينيه” ابنة خالتي وسوف اذهب غدا للدكتور نصحي وبعد ذلك سأعترف. ألا ترى صحتي لم تعد تحتمل الحمل والانجاب.

كان ألمه شديدا، فهو يرق لحالها اذيرى ان صحتها لم تعد كما في السابق لتحتمل اتعاب الحمل والولادة وفي نفس الوقت يريد ان يمنعها عن ارتكاب هذه الخطية الشنيعة. واكتفى بالقول في محاولة اخيرة لاقناعها بالعدول عما انتويت:

– لكن، ألم تفكري ماذا سيحدث لو – لا سمح الله – انتهت حياتك بسبب هذه العملية؟ كيف ستقابلين الله؟

اطرقت للحظة وكأن هذا القول قد صدمها، ولكنها ما لبثت ان اشاحت بوجهها وقالت بلهجة غاضبة :

– كفى يا اسكندر. انت لا تهتم بشئ، ولا يهمك شئ. انظر الى الشقة كم هي ضيقة لا تكاد تتسع لنا انا وانت واولادك الاربعة. انت تعرف اننا مضطرين لهذا بسبب ظروفنا.. الله رحيم ومؤكد انه سيغفر لي.

– انا عارف ان ربنا رحيم وبيغفر، ولكنه ايضا لا ينسى احد وهو يعول الكل، ويدبر امورنا، وان كان شكلك امام الاولاد يشغلك، انا سأتصرف وسوف ابلغهم الخبر بهدوء.

انسابت دموع الام وقالت:

– لا جدوى من الكلام معك. انت لن تقتنع مهما قلت، لانك لا تشعر بي ولا تقدّر ظروفي.

وقال هو ايضا بمرارة:

– الله يعلم انني اقدر ظروفك جدا. ولكن كيف اوافقك على ارتكاب جريمة قتل؟!!

امضت الام معظم الليل في سهاد، وقرب الصباح راحت في غفوة، واذ بها ترى حلما جميلا ، استيقظت بعده وقد غيرت رأيها تماما. هذا التغيير المفاجئ جعل اسكندر يلح عليها لمعرفة السبب. فقالت له:

– رأيت حلما عجيبا.

فقال بسرعة :

– هيا اخبريني به!

– كنا نجلس نتسامر معا كالعادة. واقبل على طفل صغير، جميل الصورة، ولا يكاد يعرف الكلام. ينظر اليّ في حزن واسى .. سألته:

– من انت؟

– انا ابنك!

– ما اسمك؟

– ميخائيل.

– ليس لي اولاد بهذا الاسم الجميل.

– كلا.. كلا يا اماه لقد اهداك الله اياي وانت .. انت..

ثم قطع كلامه نشيجه الذي تحول سريعا الى بكاء بطريقة مؤثرة.. فرحت اهدئ من روعه واقول:

– انا.. ماذا؟

– انت تريدين قتلي.. اماه اتوسل اليك لا تقتليني!

قلت له في ذهول:

– انا؟ انا، اريد قتلك؟

وخطر لى في الحال ما كنت مزمعة ان افعله. فاحتضنت الطفل بشدة وقلت له:

– اعدك يا ابني. اعدك انني لن اقتلك.

شكر اسكندر الله الذي جعل زوجته تعدل عن قرارها الخاطئ، واخذ يتحين الفرصة يختلي فيها باولاده بعيدا عن الام، حتى وجدهم في حجرتهم عقب الغذاء. كانت الام مشغولة في غسل الاطباق، فاستهل حديثه معهم قائلا:

– يا اولادي، ان الله يحبنا كثيرا وهو مزمع ان يرسل لنا هدية جميلة.. ماذا تظنون ستكون الهدية؟

اجابت مرثا ومريم بصوت واحد:

– اخت جميلة مثلنا.

وقال مينا وماركو:

– اخ شقي زينا.

دهش الاب ولم يكمل الحديث وظهر عليه علامات الارتباك. كيف يكمل الحديث بعد ان اتوا اليه بنهاية الكلام واعلنوا النتيجة النهائية للامتحان في لحظات.. اراد ان يقول لهم ان الضيف القادم ولد ويدعى ميخائيل ولكنه لم يستطع.

==

موضوعات ذات صلة:

رسائل الى امي