وحيد #1

star

كانت صفحة البحر ساكنة تتألق تحت اشعة الشمس الغاربة الذهبية، وراحت الباخرة تمخر عباب البحر بكبرياء وفي كل ثانية يبتعد فيها عن اطلال الكوخ الذي ترعرع فيه في طفولته البائسة وكان يدفن في الزمن الهارب قطعة من ذاته.

اتكأ جميل على الافريز يتأمل في الامواج المتلاطمة في غسق الغروب واستغرق في ذكرياته. انه الان في التاسعة من عمره، وقد خطّ ازميل الحياة على جبينه بعض الخطوط الواهية المتغضنة المثقلة بالاحزان، وسرى في محيّاه شحوب خفيف قلما تشاهده في الوجوه الفتية. خيل اليه انئذ ان وطنه اثمن من كل ما في الوجود من كنوز.. جلس قرابة الساعة مستغرقا في افكاره.. واخيرا مضى نحو قمرته بخطى متثاقلة كمن يجر خلفه متاعب الحياة.

في طريقه التقى بطفلة صغيرة تبكي.. ادرك انها تبكي لانها فقدت والدتها. اخذ يربت على كتفها بحنان بالغ.. تطلعت اليه الفتاة الصغيرة بعينين خائفتين تترقرق فيهما الدموع وقالت بصوت متهدج:

– لقد ضللت طريقي.

فحاول ان يبتسم واجاب بصوت مضطرب:

– ما اسمك؟

فاجابت بنبرة وجلة:

– اسمي مي.

ولكن ها هو الماضي يطارده حتى انه لا يكاد يصدق ان ما يراه امامه هو صورة مصغرة من هانا الفتاة التي احبها ولكنه لم يوفق في الارتباط بها.. وفجأة توقفت الفتاة عن النشيج فجأة. كانت الطفلة قد لمحت والدتها التي كانت تبحث عنها بجزع على ظهر السفينة.

وتشوب محياه مسحة من الاسى.. ما اشد الشبه بين الام وابنتها انها تكاد تكون نسخة مكبرة عن طفلتها بل ما اشبهها بهانا، تلك الفتاة التي احبها من صميم قلبه وكان يحلم بالزواج منها ولكن حال القدر بينه وبينها..