اسكتش: اب الاسقيط والراهبة العمياء

مشهد 1:

(الشيخ يصلي): يا لمحبتك الابوية يا خالقنا! لقد اعطيتنا هذه الشمس فانارت ظلمات الدنيا وبعثت في الارض حياة.

(يسجد، ثم ينتصب) ربي ، السموات تحدث بمجدك والفلك يخبر بعمل يديك..يوم الى يوم يذيع كلاما، وليل الى ليل يبدي علما.

(صوت رهبان يسبحون واصوات ترانيم ملائكة).

(يصمت ويجول ببصره): يا ترى هل انا بين ملائكة ارضيين ام بشر سمائيين؟.

مشهد2:

(يسير مبتعدا عن الدير).

اولاجي: (يلمح اشباحا غريبة تسرع لتختفي خلف الجبل) ما هذا. لابد انهم بعض افراد القبيلة التي بالقرب من دير العذارى المجاور لجبل شيهات.

“يا ترى فيما يفكرون الليلة؟ وعلى من يتآمرون؟! فانني اعرفهم واعرف رئيسهم: انه رجل شرس لا يعرف قلبه الرحمة. انه مجرم احترف الاجرام. انه رئيس عصابة وقاطع طريق. يا رب بدد مشورتهم كما بددت مشورة اخيتوفل.. اذكر يا رب خلاص نفسه واعلن ذاتك له ولمن لم يعرفوك بعد.. (ينظر للجبل) وانت يا جبل الله، اما زلت تأوي قطاع الطريق! الم يحولّك ابونا البار ابو مقار سماء وفردوس (جزء من مديحة مكسيموس ودوماديوس: طوباك يا جبل شيهات طوباكم يا اولاد مقاريوس). حوّلك سماء وفردوس يسمع فيه على الدوام اصوات خاشعة وهي تنطلق بالصلوات.. والتضرعات.. قداسات.. حتى صار اسمك “شيهيت” اي ميزان القلوب.

(ترنيمة : يا جبال الصحراء اهتفي..) استمر في القراءة

اعترافات خاطئة -2

bbf5124fd810fcf95895f4e0dc7436f3

ظروف قاسية:

لم تطل اقامتي في اورشليم. مررت بظروف قاسية، قاسيت الجوع والعري والحاجة المرة. والعار.. لم استطع البقاء لان العار احاط بي. كنت مستعدة ان ادفع الثمن من ذات نفسي ولكن ما ذنب صغيري. لقد تم فيه القول “افتقد ذنوب الاباء في الابناء”. لم يبق لي عيش في المدينة فجمعت متاعي وعدت الى الجليل الى بلادي. لكن عاري – ظل يلاحقني. فقد جاء احد التجار ورأى متجري الصغير الناجح الذي كنت اعمل فيه انا وابني وعرفني. وروى قصتي لجاري ورواها الجار لاخر ولاخر، وانتشر الكلام وشاعت المذمة وعرفت بين الناس باسم “الخاطئة” – رباه ! لقد تبت اليك توبة نصوحا. انت تعرف سرائر القلوب. انت تعرف اني دفعت الثمن غاليا. حقا ان الخطية خاطئة جدا – نعم، ظللت ادفع ثمن خطيتي. ومع اني تذمرت في بعض الاوقات الا اني كنت اراجع نفسي واقول اني استحق. ظل القوم يدعونني بالخاطئة وان كانوا لم يجدوا في مسلكي مأخذا ، لكن عقيدتهم ان المرأة التي تزل مرة لا يمكن ان تتوب ، الله وحده يعلم اني تبت وانني وابني كلانا يأكل من العمل الشريف من عرق الجبين، ولكن الناس لا يرحمون.

بدأ البعض يقاطعون متجري الصغير ويمتنعون عن تشغيلي لكن الله حنن عليّ قلوب اخرين.. فظللنا نعيش … ونشكر. نعم، كنت اشكر الله وان كنت اتذمر احيانا، ان القوم لا يتحدثون عن ماضيّ فقط، ولكنهم يذكرون ان في حاضري خاطئة. نعم انهم يقولون عني “كنت خاطئة” لكنهم يقصدون اني لا زللت خاطئة.

في بيت الفريسي:

مضت مدة طويلة منذ جئت الى الجليل وفي احد الايام سمعت ان المعلم الناصري في المدينة . كانت فرحتي عظيمة جدا. المعلم الناصري في المدينة. انني لم اقدم له شكري يوم اكرمني بغفرانه. لكن ماذا استطيع ان اقدم له، اي شئ لاكافئ ما لقيته منه من احسان. نعم عندي قارورة طيب، لكن ما هي قارورة طيب هذه بالنسبة لحبه العجيب. على ان اخذها واقدمها له. جلت اسأل عن السيد اين هو.

علمت بعد بحث مضن ان السيد مدعو ليتناول الطعام في بيت سمعان الفريسي، اه، سمعان المتكبر الذي يحتقر كل انسان. لا اعلم كيف دعا النجار الناصري الى الطعام. علمت فيما بعد انه دعاه ليجد مأخذا عليه. ذهبت الى بيت سمعان .. كان الباب مفتوحا وكان جيش العاطلين يقصد المكان ليحصل على بعض الخدمات الصغيرة وليلتقط بعض فضلات الطعام. كنا ندخل البيت كما تدخل الكلاب الضالة. كانوا يسمحون لنا في بعض الاوقات وكانوا يطردوننا في اوقات اخرى. ولما دخلت ابصرني سمعان فبصق على الارض ورأيت فمه يتمتم ببعض الكلمات. كان يتعوز بالله مني ومن نجاستي. وقد امر احد الخدام ان يأتي بمبخرة واطلق البخور في المكان حتى يطهره. لاكان على وشك طردي حين رآني اقترب من السيد من الخلف. فتردد وكأنى به اراد ان يعرف كيف يعاملني السيد. كان قد سمع عن السيد انه محب للعشارين والخطاة ويبدو انه اراد ان يتحقق من ذلك.

سمعان والسيد

جثوت عند قدمي السيد وهناك سكبت قلبي. احسست بثقل خطاياي ومرارة نفسي والعار الذي ظل يلاحقني. كنت اخشى اني لم انل منه الصفح بعد، والا لماذا تطاردني كلمة “خاطئة”. وتدفقت دموعي نهرا ملأ وجهي وسال على قدمي المعلم فحللت شعري. نعم شعري، وقد احسست انه اقل من ان استعمله ممسحة لقدميه. تذللت امامه ومسحت قدميه بشعري. كنت اقول في قلبي يا سيدي كيف ابين لك شكري؟ هوذا شعري، زينة رأسي امرغه تحت قدميك. وهوذا الطيب امسح به الهاتين القدمين اللتين تبللتا بدموعي النجسة، وصعد انين من صدري انينا خافتا لم يسمعه احد ولكني اوقن انه قد سمعه ورفعت عينيّ ورأيت سمعان ينظر اليّ شذرا وينظر الى السيد باحتقار وكأنى به يقول. كلا لا يمكن ان يكون الناصري نبيا والا لعلم من هذه التي تلمسه. انها خاطئة. لو كتن نبيا لركلها بقدمه وطلب تطهير المكان من نجاستها.

ورفعت عيني الى وجه السيد ورأيته يضئ بلمعان سماوي تجلى فيه الحب والعطف والاشفاق والتوبيخ وتكلم كما لو كان يجيب على افكار الفريسي. قال:

«يا سمعان عندي شيء اقوله لك». فقال: «قل يا معلم». «كان لمداين مديونان. على الواحد خمس مئة دينار وعلى الاخر خمسون.  واذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا. فقل: ايهما يكون اكثر حبا له؟» فاجاب سمعان: «اظن الذي سامحه بالاكثر». فقال له: «بالصواب حكمت». ثم التفت الى المراة وقال لسمعان: «اتنظر هذه المراة؟ اني دخلت بيتك وماء لاجل رجلي لم تعط. واما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر راسها. قبلة لم تقبلني واما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي. بزيت لم تدهن راسي واما هي فقد دهنت بالطيب رجلي. من اجل ذلك اقول لك: قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها احبت كثيرا. والذي يغفر له قليل يحب قليلا». فقال سمعان : “قل يا معلم”.. وتكلم السيد

اتنظر الى هذه المرأة لقد دخلت بيتك وماءا لاجل غسيل رلي لم تعط اما هي.

وثبت من مكاني بابتهاج وانا اهتف “مجدا لله. اني لست بعد خاطئة. انا مبررة. غفرت خطاياي الكثيرة.”

==

اعترافات خاطئة -1

اعترافات خاطئة -1

 

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%a6%d8%a9-1

دفنت زوجي اول امس، سقطت عليه شجرة في الغابة وقد حمله رفاقه الى البيت، كان يتنفس بصعوبة ولكنه ما لبث ان اسلم الروح وتركني بلا عون انا وطفلي الصغير. واساني جيراني، كانوا يفتقدونني كل يوم ويحملون اليّ الطعام. كنت اظل طول اليوم لا اتناول شيئا، ولكني كنت اكل مع بعض الجيران وظل ذلك حالي طوال اربعين يوما. كنت اجد شيئا من العزاء في الرفقة الطيبة ولكنها انتهت بانتهاء الاربعين يوما. لم يأت احد لزيارتي بعد ذلك. كنت وزوجي من الجليل وقد جئنا الى اورشليم على اننا لم نلبث طويلا حتى حدثت مأساتي. لم يكن لي اهل في المدينة الكبيرة. لا اب ولا ام ولا اخ ولا اخت. كنت وحيدة مع طفلي.

مرت عدة ايام ونحن نحاول ان نجد في بقايا الطعام الذي حمله الينا ما يقوم بسد رمق الحياة ثم بدأنا نجوع. استطعت انا ان احتمل ولكن طفلي لم يستطع. كان يصرخ طول النهار والليل كسرة يا امي ، كسر صغيرة. انا جوعان ! انا جوعان!

اضطررت ان اقترض من الجيران وانتى بي الامر ان اطرق الابواب واستعطي ولكني فشلت لاني لست خبيرة في فن التسول، فكرت ان اقتل نفسي، لكن ماذا يعمل لطفلي، اواه هل منقذ؟

الاربعاء..

مرت ثلاثة اسابيع هي فعلا ثلاثة قرون. احسست اني قد بلغت سن الشيخوخة. لم اعد افكر في الحياة. عمري لا يزيد عن العشرين. لا ازال احتفظ بمسحة من الجمال. يمكن ان اكون زوجة. لكن من الذي يتزوج من ارملة ام لطفل، من؟

طرق بابي شاب من الجيران قال انه سمع صراخ الولد وسمع صوت نشيجي وعلم اننا جياع فاحضر شيئا من الطعام. كدت اهجم على الطعام لا لاجلي لكن لاج الطفل ومنعت نفسي. قلت ان عندنا طعاما كافيا. لكن الطفل تقدم بجرأة وتناول شيئا من الطعام وجعل يأكل بنهم. وترك الشاب الطعام وانطلق في سبيله وعاد في اليوم التالي واليوم الذي يليه، بل ظل يجئ مدة كان يضع الطعام وينطلق بدون كلمة غير كلمات التحية العادية. لا شك انه ملاك.

بعد شهرين

مر شهران كاملان مذ جاءنا هذا “الملاك” اول مرة، وقد جاء اليوم يحمل بعض الفاكهة وقدم للطفل شيئا منها. ثم جلس يلاعبه واستأنس طفلي له. وبعد نصف ساعة خرج الشاب ولكنه جاء في اليوم التالي والذي يليه ، وكان طفلي يتعلق به فيضطر للجلوس معه مدة ثم يغادر!

وجاء يوما يحمل لنا طعاما شهيا فوقفت اشكره وملت على يده فقبلتها، وقد حاول ان يسحب يده لكني اصررت على تقبيلها ورد هو القبلة على جبيني.

واعتدت ان اقبل يده كل يوم وهو يقبل جبيني. لقد غلبني الحياء في المرة الاولى ولكني اعتدت على ذلك. قبلة من “ملاك” لاخته!

وجاء يوم طالت فيه جلسته مع الولد ومعي، وفيما هو خارج سرت معه الى الباب واخذت يده لاقبلها فمد يده واحاط خصري وقبل جبيني كالعادة. وظلت هذه عادته الى ان جاء يوم انزلقت قبلته الى وجهي، ثم جاء يوم احتضنني فيه وانزلقت قبلته الى فمي!

بعد ستة شهور..

تأخر في المجئ . جاء الغروب ، قال انه سيتناول العشاء معنا، واكلنا معا، و”شربنا” وحملت الطفل الى فراشه، وعدت اليه لاودعه وتهيأ للقيام ولكنه لم يتجه نحو الباب… “وسقطت”. في تلك الليلة بكيت وبكيت وبكيت. اذن لم يكن ملاكا. لقد جاء بالطعام ولكنه تقاضى ثمنه وكان الثمن غاليا. اما هو فجعل يواسيني ويمنيني بالزواج ، فقط في الوقت المناسب. ولم يمتنع عن المجئ بل زاد مجيئه في الظهر والعصر والمساء. وفي احدى الامسيات قضى الليل معي، واصبح يأتي فعلته كأن له الحق فيها، اما انا فكنت في كل مرة اجثو على ركبتي واظل ابكي حتى تجف مآقي!

وقد بلغ به الامر ان جاء في صباح يوم ، وصمم ان يأتي فعلته في الحال بعد ان ارسل الطفل الى الخارج ليلعب مع الجيران. وفيما نحن في الفراش، “في ذات الفعل”، هجم علينا جماعة من الجيران فوثب من المكان وقفز من النافذة وقد تركوه يهرب وامسكوا بي وجعلوا يضربونني على كل اجزاء جسمي حتى امتلأ جسدي الضعيف بالجروح. وتمزقت ثيابي واصبحت عارية تقريبا. ثم اخذ يسحبونني سحبا وهم يضربونني الى ان وصلوا الهيكل وفي الدار الخارجية كان المعلم الناصري ، كنت قد سمعت عنه كثيرا – جالسا يعلم وحوله عددا غفرا من الناس – واوقفوني امامه عارية ممزقة الثياب. كنت صورة للعار المتجسد.

اه! ليتهم قتلوني. ليت الارض تنشق فتبتلعني. ووضعت احدى يديّ على وجهي واليد الاخرى اغطي بها عريي، وكنت احس اني في دوامة. متى تنتهي يا رب؟

وسمعت القوم يصرخون، لم اتبين صرخاتهم في اول الامر ولكن عندما دققت السمع سمعتهم يقولون: “يا معلم، هذه المرأة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى اوصانا ان مثل هذه ترجم. فماذا تقول انت؟”.

انا لم اعلم لماذا جاءوا بي اليه هو. انه ليس رئيسا ولا قاضيا ولا صاحب سلطان، ولكني علمت فيما بعد انهم قصدوا ان يضعوا له شركا. انهم ما كانوا يستطيعون ان يرجموني. لكن ليتهم فعلوا ذلك!

كان عاري نارا تلهب كل جزء في جسدي ونفسي. كنت واقفة في خزيي عارية امام الجميع، وكانت النظرات الشريرة تلتهمني. ان بين المشتكين علىّ من كانوا اشر مني، ومنهم من حاول معي في اول ايام نكبتي، ونت اذ ذاك في دموعي نقية اما الان فانا كتلة عفنة اقذر من الوحل!

على اني لمحت السيد، انه لا ينظر اليّ كما ينظر الاخرون وايضا رأيت العطف مجسما في وجهه، بل رأيت دموعا في عينيه، كان جالسا على درجة من درجات السلم القليلة الصاعدة الى الهيكل ، وكان منحنيا الى الارض يخط بيده سطورا لم اتبينها على الارض. كان صامتا فيما هم يتكلمون ويضجون، وظل صامتا .. فلما طال صمته عادوا يكررون كلامهم السابق: “يا معلم، هذه المرأة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى اوصانا ان مثل هذه ترجم. فماذا تقول انت؟”.

واذ ذاك انتصب وقال لهم من منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر. هل ترى هل يجسرون ان يرموني بالاحجار التي في ايديهم؟ هل يجسرون وكلهم زناة  شيوخهم وشبابهم. نعم كلهم. ان ذنبي عظيم. لا اجد له مبررا، لن اقول ، الجوع او الوحدة او الضعف. كلا انا زانية. اثمة شريرة. انا استحق العار الذي انا فيه. انا لا ادينهم ولكن ضمائرهم دانتهم. لم تكن لهم ظروف تدفعهم نظيري الى السقوط، ولكنهم كلهم توحلوا في الحمأة، على انهم لم يمسكوا في ذات الفعل نظيري. ربي، انا لا ادينهم ولا ابرر نفسي. انا استحق العار الذي لحقني! اني استحق اكثر منه! استحق الموت!

لقد همس الشيطان في اذني ان اصرخ في وجوههم، بل ابصق على وجوههم. قولوا لي ايها المنافقون، هل جئتم تحاكمونني على شر انتم متوحلون فيه. ايها القديسون الزائفون ، لقد بعت جسدي لقاء لقمة لي ولصغيري. واما انتم فبعتم اجسادكم بلا ثمن. كدت اخضع لهمسات الشيطان لولا اني عدت لنفسي ورأيت بشاعة اثمي وفداحة جرمي. ومن انا المرأة التعسة التي امسكت وهي تزني بالفعل لتحم عليهم؟

على ان كلمة اليد كان لها تأثيرا عجيبا. لقد كشفتهم. لقد رأوا انفسهم عرايا. رأوا خزيهم مجسما امام اعينهم. والنتجة انهم تركوا احجارهم وتركوا المكان راكضين . كنت اراهم وهم يركضون . اما السيد فكان كأنه لم يلحظ شيئا لانه بعد ان قال كلماته انحنى الى الارض وكان يخط باصبعه في التراب. وبقينا نحن الاثنين وحدنا، النقاوة المجسمة في شخصه والنجاسة الممثلة في شخصي. الله والخطية!

فكرت ان اخرج مع الذين خرجوا ولكني لم استطع ان اتحرك. كنت احس ان في ذلك الرجل المنحني الى الارض قوة لا قبل لاعظم قوة ان تتحداها، نعم بقيت وحدي واقفة. ومن الغريب اني احسست امامه بأن ذنبي جعل يكبر ويكبر حتى ملأ المكان. احاطت بي خطيتي من كل جانب.

واذ بالسيد ينتصب ويقول “يا امرأة اين هم المشتكون عليك. اما دانك احد؟”

فقلت: “ولا احد يا سيد.”

فقال لي “ولا انا ادينك ” وصمت قليلا ثم قال “اذهبي ولا تخطئي ايضا”

سقطت على الارض قدامه. حاولت ان اقترب الى قدميه لاقبلهما، ولكني احسست انه لا يجوز لي ان ادنس قدميه بشفتيّ القذرتين . ظللت منكفئة على الارض. عاجزة عن الحركة. ولكنه مد يده واقامني ثم نظر الي نظرة مليئة بالدموع وقال اذهبي ولا تخطئي ايضا”.

في البيت

لا اعلم كيف عدت الى البيت. كلا. لا اعلم. ولكني حين عدت وجدت صغيري ممرغا في التراب وهو يبكي. جميع الاولاد اجتمعوا حوله وسبوه باقذر الشتائم وفتحت النساء نوافذ البيوت ومظرن بازدراء اليّ انا الزانيا التي امسكت في ذات الفعل – شتان بين نظراتهن ونظرته هو- اني اسامحهن فقد سامحني. لقد قال لي “وانا لا ادينك. اذهبي ولا تعودي تخطئ ايضا”. ومن انا حتى ادين؟ لقد سامحني بالاكثر، لقد عفا عن اشنع جريمة تأتيها امرأة فهل احقد انا بسبب اساءات صغيرة. كانت مسامحته اقسى على قلبي من الدينونة نفسها. ليته ركلني بقدميه. ليته نعتني بشر النعوت ولكنه سحقني بمحبته. لم يبق فيّ  شئ . ذاب قلبي وكذا لحمي . لم يبق من شئ. هل يمكن ان يكون هذا . ان ينظر اليّ نظرة المحبة المقدسة ، الحنان الطاهر، الغفران الكامل.

لقد احاطني جيراني بنظراتهم الكمحتقرة وشتائمهم القبيحة وسخريتهم اللاذعة . احاطوني بجحيم من الكراهية والازدراء ولكني سامحتهم. ليس في قلبي ضغينة ضد واحد منهم. لقد سامحني هو عن الكثير فهل عجيب ان اسامحهم على القليل؟ يا رب اغفر لهم كما غفرت لي!

محبة الاب

2_father-hug-prodigal

كان يوسف اصغر ابنين ولدا في بيت هو اكثر بيوت القرية شرفا، وكان عنده الكثير، ليشكر عليه: اسم مشهور، مستقبل عظيم بثراء الوالد. واكثر الكل اب يحب يوسف ويحب اخاه حبا بالغا. الا ان يوسف لم يكن سعيدا. فقد كان يقرأ قصصا عن حياة مثيرة بعيدة عن بلاده. ذات يوم كان يوسف يقرأ احد تلك الكتب وتوقف ودفن وجهه في الوسادة. هذا حرام! عندما اخذ نصيبي من ثروة ابي سأكون قد بلغت من العمر ما يحرمني من الاستمتاع بالثروة. اذن لماذا ابقى في هذا البيت؟ كل من في مثل عمري يتمتع بالحياة. هذا حرام.. هذا ظلم!

وخبط الوسادة بقبضة يده!

وعلى مائدة العشاء كان يوسف مختلط المشاعر: فلم يقرب الطعام. لم تكن هذه اول مرة يتصرف بهذه الطريقة، فقد مضى عليه اسبوعان وهو على هذه الحالة. وقد حاول ابوه ان يتكلم معه لكنه كان يتحاشى الحديث ويقول لا شئ يا ابي انا فقط متعب.

ورأى ابوه الكتب التي يقرأها، وادرك الصراع الدائر داخل ولده، ولكن الاب لم يكن دكتاتورا، ولم يضغط على ولده ليحكي له مشاعره، ولو انه كان مكسور القلب على ما يجري!

وبعد العشاء قال ليوسف:

– لماذا لا تحكي لي يا ولدي ما يضايقك؟

– صعب على ان اشرح لك يا ابي!” وصمت هنيهة ثم حدّق في ابيه وقال:

– انت تظنني صغيرا! ولكنني بلغت من العمر ما يمكنني ان اجرب الحياة. لن ابقى الى الابد هنا. ففي العالم ما هو اكثر من البيت والعائلة.

وصمت الاب لحظة ثم قال:

– ألست سعيدا هنا يا يوسف؟

– لا..

– لماذا؟ ماذا ينقصك؟

وتطلع يوسف من النافذة وقد ارخى الظلام سدوله، وتنهد وقال:

– لن تفهمني ، ربما انت سعيد هنا بسبب عمرك الكبير، ولكن لي افكاري الخاصة. اريد ان احيا كما يحلو لي.

وتطلع في وجه ابيه فلاح الحزن العميق، وادرك انه مخطئ فقد اعطاه ابوه الافضل دائما، ولم يضن عليه بأي تعبير عن الحب. وتمنى لو لم يقل ما قال! غير انه في اعماق نفسه كان يرجو تنفيذ ما قال. وتابع الاب الحديث قائلا:

– ماذا تريدني ان افعل لك؟

فتردد قليلا قبل ان يقول:

– يا ابي، اعطني حصتي من الاملاك.

وهز الاب رأسه في اسى، ومضت لحظات كان فيها زائغ البصر شارد الفكر، ولكنه اخيرا قطع ذلك السكون المطبق وقال:

– لك ما شئت لنلتق صباح الغد.

ولم يصدق الابن اذنيه وقال في نفسه: “اذن سيفعلها. سيعطيني حصتي من ممتلكاته قبل موته”.

وفي صباح التالي جلس الوالد مع ابنيه وقسم لهما املاكه. وفكر نبيل الاخ الاكبر في نفسه هكذا: “كيف يفكر يوسف بهذه الطريقة المهينة”، غير انه لم يقل لاخيه شيئا. وبعد ايام قليلة جمع يوسف كل ما يملك واستعد ليسافر الى بلد بعيدة. وكم تألم الاب من سلوك ابنه الطائش! ولكن بسبب محبته لولده سمح له ان يتصرف بحرية. لم يجبر ابنه على ان يحبه حتى لو كان في هذا اهانة لابيه. وبعد عناق ركب يوسف جمله وسافر. وجعل الوالد يراقب ولده حتى اختفى من نظره، وهو يفكر في نفسه “لن تجد ما تفتش عنه بعد ان تتعب يا ولدي ستعود الي.. حتما ستعود اليّ”. ثم هز الاب رأسه في اسى وقال:

“لن يعطيك العالم يا ولدي ما تطلب. انا فقط الذي اعطيكه.”.  وغابت الشمس وهبت نسمات السما الباردة.

ابتعد يوسف بقدر ما حلى له، واستقر في بلد بعيدة يبدد ماله في العيش بلا حساب! وارتكب ما لم يكن يسمح له والده بعمله. واجتمع حوله اصحاب السوء الذين اوهموه انهم خير صحبة! كان يوسف يخاطب نفسه قائلا “انا غني .. بدون اب وسعيد، فلاعش بالطول والعرض!”. لم يحرم يوسف نفسه اية متعة.

وذات يوم نقل مسافران اخبار مغامرة يوسف الى اهله، فانتشرت قصته في كل مكان، وراح الاطفال في شوارع القرية يغنون سخرية من عائلة يوسف الكبيرة. وعندما سمع الاخ الاكبر اخبار يوسف طار صوابه وعاد الى بيته وصفق الباب خلفه. وجد نبيل اباه جالسا في شرفة البيت يحدق في الفضاء فسأله:

– هل بلغك نبأ الحماقات التي يرتكبها يوسف؟ لقد اعطتيه نصف ممتلكاتك وها هو يبدده على الزواني.

وصرّ على اسنانه قائلا:

– كيف يجرؤ على تشويه اسم العائلة؟ الكل يسخرون منا في القرية! لن يرجع هذا الشقي هنا. لو عاد فسأقتله بيديّ هاتين.

وصمت الاب حتى خرج ولده، فوقف واستند على الجدار وقال:

– عد يا يوسف يا ولدي. لقد غفرت لك. عد الي.

واستمر يوسف يبدد امواله حتى لم يبق له شي.

وزاد الامر سوءا ان مجاعة قد اصابت البلاد وهو بلا اموال ولا طعام. جعل يبحث عن عمل والتقى باحد الاصحاب الذين طالما استضافهم.

– ساعدني يا زكريا ارجوك. اعطني عملا فانا اموت جوعا!

ولكن زكريا تجاهله فقد مضى اصحاب يوسف كما مضت امواله.

وسار يوسف لا يدري ماذا يفعل. ومر بمزرعة فقرر ان يسأل فيها عن عمل.

ولما وجد صاحبها قال:

– انا اموت جوعا، هل عندك اي عمل لي؟

ولكن صاحب المزرعة اجابه بلا مبالاة:

– اسف ولكن مطلوب راع للخنازير، والاجر قليل، والعمل مضن، ولكنه احسن من لا شئ.

وهكذا عمل يوسف في رعى الخنازير! لكم تردى به الحال! لقد امضى لحظات سعيدة وها هوذا يدفع الثمن.

وذات يوم وهو يرعى الخنازير جائعا وحيدا انخرط في البكاء. وقال في اسى: “لماذا لم انتبه لكلام ابي. بحثت عن السعادة ولم اجد سوى الدموع والحزن حتى طعام الخنازير يبدو لي شهيا!” وفي اسف على اختياره الخاطئ جال في ذهنه خاطر فنظر في اتجاه بلده “ماذا دهاني ؟ كم اجير عند ابي يفضل عنه الطعام وانا هنا اموت من الجوع. سأقوم وارجع الى ابي واقول له اخطأت الى السماء واليك! ولا استحق بعد ان ادعى لك ابنا فعاملني كاجير عندك”. وترك يوسف عمله واتجه نحو بيت ابيه.

لم يكن الاب قد نسى ولده لحظة. فكم جلس في شرفة البيت عدة مرات كل يوم يتطلع الى حيث مضى ولده راجيا ان يعود. كان انتظاره لولده يستغرق الكثير من وقته، حتى قال له اصحابه انه يهمل عمله. على ان يوسف لم يرجع. حتى لو جرؤ على الرجوع فان الشريعة كانت تقضي برجمه حتى يموت. وعزم الاخ الاكبر ان يقتل يوسف لو عاد بسبب ما جلبه على العائلة من عار. لكن الاب كان يحب ولده اكثر من شرفه! كان يريده ان يرجع.

كان الوالد يجلس في شرفة يراقب الطريق، فرأى يوسف قادما من بعيد، فامتلأ قلبه بالحنان واسرع يجري نحو والده. نسى الرزانة، نسى تقاليد القرية، وامسك بطرف ردائه وهو يجري بكامل ما فيه من قوة. وتذمر رجال القرية لان الاب غفر للابن الراجع. وامسك احدهم بحجر وصر باسنانه وقال بغيظ عظيم:

– كان يجب ان يعاقبه. اذن فلتسقط الحجارة علي ولده العاق.

واسرع كثيرون يقلدونه وهم يمسكون الحجارة يشتمون. كا ن فكر الوالد مشحونا بمثل هذه الخواطر: ولدي! ولدي! لقد رجع اليّ. يجب ان اصل اليه قبل ان يلحق احد به الاذى. وما ان صل الى ولده حى عانقه واخذ يقبله.

father-playing-with-love-to-his-son-on-fathers-day-wishes-540x524

اما الولد فقد سجد الى الارض وامسك بقدمي ابيه وهو يقول: “يا ابي اخطأت الى السماء واليك ولا استحق بعد ان ادعى لك ابنا.

وقاطع الوالد كلام ولده، ورجع به الى البيت وامر الخدم “هاتوا افخر ثوب والبسوه، وضعوا خاتما في اصبعه وحذاءا في رجليه” وعندما اسرعوا لتنفيذ الامر. ذهب الاب للمسئول عن مزرعة الماشية وقال “قدموا العجل المسمن واذبحوه، فنأكل ونفرح، لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد!”

ولم يسبق للخدم ان رأوا سيدهم فرحا هكذا! ولما اصبح كل شئ جاهزا، اقام الاب اعظم وليمة ليؤكد ليوسف انه يرحب به، وليدعو الكل للترحيب به – فقد صفح عنه .. وقال الاب لمدعويه “لقد اساء الي ولدي قبل اي شخص اخر، أليس لي الحق ان اغفر له؟” ووافق الكل على كلامه، وبدأ الحفل.

ورجع الابن الاكبر من الحفل وعندما اقترب من البيت سمع صوت الغناء والرقص فسأل احد الخدم: “ما الخبر؟”

فاجابه “رجع اخوك سالما فذبح ابوك العجل المسمن مرحبا به وفرحا برجوعه”

فغضب ، ورفض الدخول لأنه لم ير للغفران مكانا. فخرج اليه ابوه وربت على كتفه بعطف قائلا “ارجوك يا ولدي ان تدخل. الا تفرح بعودة اخيك”. ولكن الابن الاكبر اشاح بوجهه غاضبا وقال طخدمتك كل هذه السنوات وما عصيت لك امرا، ولم تعطني جديا واحدا كمكفأة لافرح به مع اصدقائي”

وبكل حب واناة قال الاب: “يا ابني، انت معي ، وكل مالي هو لك. لكن كان علينا ان نفرح لان اخاك هذا كان ميتا فعاش ! وكان ضالا فوجد”.

738578936-father-and-son-love-in-park-free-vector

==

وختم الرب يسوع المثل: اقول لكم : “هكذا يفرح الله بخاطئ واحد يتوب”

تغيير في القلب

change-of-heart

كثيرا ما نحكم على الاخرين بمقاييس خارجية : فنحكم على منظرهم، وعلى نسبهم واصلهم، وليس هكذا ينظر الله للناس ، فنظرة الله غير نظرة البشر: الناس ينظرون الى المظهر الخارجي، اما الله فينظر الى القلب.

ترك سمعان الاجتماع ورأسه مرفوع زهوا وعجبا وخيلاء، فقد قاد جماعة المؤمنين في الصلاة، بل انهم طلبوا منه ان يلقي فيهم خطبة قصيرة.

فكر في نفسه: “سائر الشيوخ يحترمونني – وهكذا يجب ان يكون. على اي حال لا يستطيع احد في المدينة ان يقول: انه اكثر تقوى مني!

وعندما وصل الى بيته ابتسم لزوجته ابتسامة الظافر، ولم تقل شيئا وهي تواصل تجهيز العشاء، لكنها قالت في نفسها: “سيحكي لي الكثير وهو يتناول العشاء. ما اسعدني بهذا الزوج المتدين! كل النساء يحسدنني على زواجي من هذا الرجل الذي يحتل مكانة هامة في بلدنا!”

كان سمعان يأخذ حماما ساخنا حتى يتم تجهيز العشاء. وفي اثناء الطعام كان قلبه مفعما بالبهجة!

كنت اود ان تريني! لقد تركت اثرا كبيرا على الشيوخ وانا احدثهم عن الخطية. وبختهم على خطايا الزنا وعدم دفع العشور وعلى الكذب والسكر، واهمال الصلاة،..

وقاطعته زوجته: “رائع! على الناس ان يتحاشوا هذه المعاصي لينالوا رضى الله، وانت خير قدوة لهم يا زوجي العزيز!

واسترسل سمعان يمدح نفسه مجددا: “وعدما انتهيت من خطبتي كان المجتمعون محدقين فيّ ومصغين تمام الاصغاء.. لقد بدا الناس امامي جامدين في اماكنهم وكأن على رؤوسهم الطير!

لقد حاول سمعان ان يتحاشى الكبائر، فابوه قائد ديني كبير يحترمه الجميع، وكذلك جده. وفكر سمعان في نفسه: “اه لو رآني ابي الان لامتلأت نفسه بالفخر بي”

بعد العشاء ذهب سمعان لغرفته ليقرأ وفي اثناء القراءة تطلع من النافذة فرأى في ركن الشارع فتاة جميلة تبيع الليمون، لم تكن هذه اول مرة يلحظها. واستمر ينظر اليها ويحلم بسعادة اللحظات التي يقربها فيها اليه! ولو ان بعض نفسه قالت له: انه يجب الا يفكر هكذا..! ولكنه عاد يقول لنفسه: “ولكي لم اضر احدا – انني لم اخطئ ولم ارتكب الزنا معها!”

علم سمعان انه لن ينفذ ما فكر فيه – واسعده كثيرا حلمه بالفتاة! وقال لنفسه “كل واحد يفكر مثلي، ولاحظ في هذا. انا افعل الصالح دوما، ولا ضرر في التفكير!” ثم وضع كتابه جانبا وجعل يفكر في بائعة الليمون معه وحده!

وفي الجانب الاخر من المدينة عاش رجل غني كوّن ثروته من الحرام، كان يحصّل الضرائب لمصلحة المستعمر الروماني، فكان يتقاضى اكثر كثيرا من المطلوب لحسابه الخاص.

المطلوب عشر قطع من الفضة.

هذا ظلم ! انت تعلم ان المطلوب هو ست فقط.

قال زكا: “عظيم! تعال الاسبوع القادم، وادفع ستا”

فصرخ الفلاح: “وتطلب من الشرطة ان تلقي القبض عليّ لاني لم ادفع الضرائب. كلكم – يا جامعي الضرائب – سواء.. لصوص!” والقى بالقطع العشر من الفضة ومضى.

وبعد نهاية عمل اليوم رجع زكا الى بيته. كان زكا مثل سمعان رجلا هاما، ولو ان زكا كان مكروها. لم يكن احد يصادقه ا زملاؤه في مهنته اي من العشارين جامعي الضرائب – وما اكثر ما ضايقه هذا، ان يكون مكروها من بني امته!

ولكنه كان يقول لنفسه ملطفا من ثورته الداخلة: “يبدو انه لابد من وجود اعداء للانسان..”

ولكن في اعماقه كان يعلم ان حالته اردأ من ذلك، كان يخدع الناس ويخدع الله”

عندما وصل الى البيت سلم حصانه الى احد الخدم، وما ان اقترب من باب بيته حتى اسرع نحوه احد زملائه من جامعي الضرائب، وحيّاه قائلا:

– “صديقي زكا! جئت ادعوك لحضور حفل عندي، ستحضر نسوة كثيرات وانهار من الخمر!”

– “لا، ش…شكرا ليس الليلة. اشكرك!”

ودخل زكا بيته واغلق الباب وقال زكا في نفسه عن زميله: “ماذا دهاه؟ ما اغرب تصرفاته!”

ومسح زكا عرقه وشرب كوبا من الماء، واكتشف ان يده ترتعش، وقال لنفسه “يبدو لي احيانا ان كل الناس يركضون الى الجحيم!” ثم جلس في كرسيه المفضل.

وتثبتت نظراته على درج كان يقرأ فيه من كتابات الانبياء القدامى، والهبت الكلمات المكتوبة قلب زكا، وجعلته يشعر بعدم الراحة، ولكنه لم يقدر ان يتوقف عن القراءة، كان الكلام عن محبة الله ورغبته في ان يكون للانسان صلة به، كان هذا مثل الماء البارد لنفسى زكا العطشى. لكن التوبة هي شرط الصلة مع الله.. هذا يعني ان يهجر طريقه الضال ويكره خطيته .. وبدا هذا الشرط اصعب من ان يقبله زكا.

وامسك زكا بالدرج وهزه وكأنه يوجه له الاتهام قائلا:

“فيك سر مشاكلي! اتركني لحالي! هل تريد ان تكشف فراغ نفسي؟”

ولم يكن هناك صدى لصرخات زكا، ولكنه كان يعرف الاجابة. لقد كشفت كلمات الدرج حالته كما يراها الله، وعاد يفتح الدرج ليجد مكتوبا فيه: “قال لهم: هذه هي الراحة، اريحوا الرازح.. ولكنهم لم يشاءوا ان يسمعوا”.. هنا بدأ زكا يبكي كطفل وهو يقول: “يا رب، انا الرازح طالب الراحة”.

كان زكا يدرك ما يجب ان يفعله – ان يغير ثيابه. ويذهب للصلاة.

وقال لنفسه وهو يرتدي ثيابه ويستعد للذهاب للهيكل : “ربما احاطي الله برحمةاذا تبت اليه”. ثم اتجه للباب

في الوقت نفسه كان سمعان يستعد للذهاب الى الصلاة، واحصى ما معه من مال ليدفع عشره للفقراء. كان في قمة السعادة والفخر لانه يفعل كل شئ “كاملا” – واتجه الى باب بيته.

واتسع فم سمعان بابتسامة كبيرة وهو يلقي نظرة على بائعة الليمون. كان سعيدا انها تبيع بجوار بيته فتمنحه فرصة التملي من منظرها.

ومر بجماعة تستمع الى واعظ يتحدث عن البر الحقيقي، فوقف وسمع بضع كلمات:

سمعتم انه قيل : لا تزن، واما انا فاقول لكم: ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه!” وتوقف زكا في الوقت نفسه ، ليستمع للكلمات نفسها : “فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك ، لانه خير لك ان يهلك احد اعضاءك ولا يلقى جسدك كله في جهنم!”. وعندما انهى الواعظ كلامه وبدأ سامعوه ينصرفون – جعل سمعان يفكر في نفسه:

“هل الشهوة في القلب توازي الزنا؟ مستحيل!”

ولكنه كان يعلم في اعماق نفسه ان هذا الكلام صحيح. اما زكا فقد اسرع نحو الهيكل بعد ان سمع هذه الكلمات وهو يقول لنفسه: لا اريد ان يلقى جسدي كله في جهنم!”

ودخل زكا وسمعان الهيكل في الوقت نفسه. وحيّا العابدين قائلا: “سلام الله معكم”.

ولكنهم لم يعيروه اهتماما ولم يبادله احد بالتحية. لقد فكروا في انفسهم هكذا “كيف يجرؤ مثل هذا الشرير ان يكلمني؟”

سمعان لم يرد عليه ايضا، فقد سبق ان غش زكا سمعان.

اما زكا فقد وقف من بعيد لا يقدر ان يرفع وجهه لاعلى وقرع بيده على صدره وقال: “اللهم ارحمني انا الخاطئ. اغفر لي ذنوبي. سأعطي المساكين نصف اموالي، وارد لكل من ظلمته اربع اضعاف. انا تائب.. تائب.. فلتشمل برحمتك الواسعة عبدكم الخاطئ.

ورأى الله قلبيهما وهما يصليان، وسمع الله لصلاة واحد منهما فقط. كانت تلك صلاة زكا المنسحقة. فقد قبل الله توبته ونزل الى بيته مبررا مقبولا عند الله.

===

“لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع”.