
كان ايفان يتمشى يوما في الغابة حين وجد بعض النباتات العجيبة. جمع بعض منها وعاد بها الى بيته .. وهذه النباتات لم تكن سوى اعشابا طبية واكتشف فيما بعد قوتها العلاجية.. وبعد عدة ايام قال ابوه له:
– اتعلم يا ابني ان الملك اعلن ان من ينجح في علاج ابنته سيصبح زوجا لها؟ وما دام عندك هذا النباتات العجيبة اذهب وعالج ابنة الملك وستعيش حينها في رغد حتى اخر ايامك.
تهيأ ايفان للذهاب الى قصر الملك.. وحينما فتح باب بيته ليغادر اذ به يرى امرأة فقيرة مشلولة الذراع امامه.
ما ان رأته حتى توسلت اليه قائلة:
– قيل لي انك تستطيع علاجي ، من فضلك اعد الصحة لذراعي المشلولة، لانه من المستحيل ان ارتدي ثيابي دون مساعدة.
لم يكن مع ايفان سوى كمية قليلة من هذه النباتات .. ولكنه بعد تردد للحظات اجاب السيدة العجوز: سأفعل سيدتي!
اخرج ما معه من نباتات واعطاها الى المرأة الفقيرة قائلا لها ان تبلعه. بلعته الفقيرة فاذا بها تشفى بحيث حركت يدها في جميع الاتجاهات.
وصلا والدا ايفان في هذه اللحظة ليودعاه. وعندما علما بخبر اعطائه ما معه من نبات الى المرأة المسكينة، وانه لم يبق لديه ما يعالج به ابنة الملك، وجها اليه اللوم الشديد. قالا:
– اخذتك الشفقة على الفقيرة، اما ابنة الملك فلم تشفق عليها.
اخذت ايفان الشفقة على ابنة الملك، لذا فقد ربط حصانه بالعربة وبدأ طريقه الى القصر.
– اين تذهب يا غبي؟
– سأذهب الى الملك لاعالج ابنته.
– لكن لم يبق معك ما تعالجها به!
قال وهو يسوق عربته:
– وما اهمية ذلك؟ سأتدبر امري
استطاع ايفان ان يعالج ابنة الملك .. فرح الملك وازوجه ابنته. بعد فترة مات الملك فاصبح ايفان هو الملك. لكن لم يكد يمر اسبوعا حتى خلع ثياب الملك واعطاها لامرأته طالبا اليها ان تخبئها في صندوق. ثم عاد الى ارتداء جلبابه الكتان، واستأنف العمل قائلا لامرأته:
– لقد ضجرت. وبدأت اسمن، وذهبت شهيتي عن الطعام، وصرت لا انام.
ودعا الى جواره اباه وامه واخته الخرساء وعاد الى عمله. ولما قيل له:
– انك الملك.
اجاب:
– وماذا يضيرني من ذلك؟ ألا يحتاج الملك الى العمل كي يكسب قوته. جاءه وزيره وقال:
لم يبق لدينا مال لندفع المرتبات للموظفين والجنود.
قال ايفان: اذا لم يبق لدينا مال فلا تدفع.
– لكنهم سينصرفون جميعا.
– فليكن، لينصرفوا. سيكون لديهم وقت اوسع ليعملوا بأيديهم.
جاء اليه رعاياه يطلبون ان يقضي بينهم بالعدل.
قال احد المشتكين:
– سرق جاري مالي.
قال ايفان:
– لا شك انه فعل ذلك لانه محتاج اليه.
وعلم الجمهور حينئذ ان ايفان ابله.
قالت له امرأته:
– اتعلم ما يقولونه عنك؟ انهم يقولون ان ابله.
قال ايفان: فليكن!
اخذت امرأة ايفان تفكر، كانت هي ايضا بلهاء. قالت:
– حسنا! ليس لي الحق في ان اكون على خلاف مع زوجي. المرأة على دين (اي لابد ان تشابه) زوجها.
واذ خلعت لباس الملكات، وضعته في صندوق مع ثياب زوجها. وذهبت الى اخت ايفان الخرساء ورجتها ان تعلمها العمل. وعندما علمتها بعض الاعمال اليدوية البسيطة ساعدت زوجها في كسب معيشته.
هجر البلاد جميع العقلاء ولم يبق في المملكة سوى البلهاء. لم يكن لدى احد مال، وكانوا يعيشون جميعا من عمل ايديهم.
وذات يوم جاء اليه قائد جيشه يعلمه بأن احد الملوك الاخرين ويدعى تاراخان اعلن الحرب على مملكته.
قال ايفان:
– فليكن! وليسر الى الحرب.
اجتاز تاراخان الملك حدود مملكة ايفان بكامل جنده وبعث بطلائعه بحثا عن جيش ايفان، ففتشوا في كل مكان ولم يعثروا على اية جنود. قال الملك:
انتظروا قليلا لعل جيش ايفان سيظهر في الافق بعد حين؟ لكن لم يحدث اي جديد خلال يومين. من سيقاتلون اذن؟!
حينئذ امر الملك باحتلال القرى. خرج الاغبياء رجالا ونساءا الى الشوارع، فدهشوا لدى مرأى الجنود. نهب الجنود حنطة الاغبياء وماشيتهم، وترك الاغبياء لهم كل شئ دون ان يفكروا في ادنى مقاومة.
اجتاح الجنود قرية ثانية وثالثة. وحدث نفس الامر. ساروا يوما ويومين، فحدث الشئ نفسه في كل ممكان. لا مقاومة بتاتا من جانب السكان الذين كانوا يعطونهم كل شئ بل ويقاسمونهم معاشهم، قائلين لهم:
– اذا لم تكونوا سعداء في بلادكم، ايها الاصدقاء، فعيشوا عندنا الى الابد.
سار الجنود ما وسعهم السير فلم يصادفوا جيشا، ولم يعثروا على شئ سوى الناس الذين يعيشون من عملهم، ويأبون ان يدافعوا عن انفسهم، ويريدون ان يستبقوا الجنود.
تعب الجنود في النهاية وذهبوا الى ملكهم ليقولوا له:
– يستحيل علينا ان نقاتل. خذنا الى مكان اخر لنحارب. يستحيل علينا ان نحارب في هذه البلاد.
غضب الملك وامر جنوده بأن ينتشروا في ارجاء البلاد قائلا:
– خربوا القرى، دمروا المنازل، احرقوا القمح، اقتلوا الماشية.. واذا لم تفعلوا فسأعدمكم جميعا.
خاف الجنود، فأطاعوا وجابوا ارجاء المملكة، مهدمين المنازل، محرقين المزارع..
لكن الاغبياء لم يزدهم ذلك ميلا الى الدفاع عن انفسهم. اكتفوا بالبكاء، بكى الجميع، شيوخا ونساءا واطفالا, كانوا يقولون:
– لماذا تعاملوننا بهذه القسوة؟ لماذا تضيعون كل هذه الخيرات؟ ان كنتم في حاجة اليها فلماذا لا تأخذونها وتستعملونها.
هذا النمط من الحرب لم يرق للجنود. فلم يعد يحدوهم شئ الى الذهاب ابعد مما وصلوا اليه. بل ان بعضهم فكر بأن ينتقم من الملك الطاغي لكن كان اكثرهم قد تعلم الطيبة من هؤلاء الطيبين واستطاعوا ان يقنعوا هؤلاء الجنود العنفاء بأن يعدلوا عن تفكيرهم بالانتقام..

رمى جميع الجنود سلاحهم، ولم يبق من جيش تاراخان الملك المعادي احد.
وهكذا ساد السلام مملكة الطيبين .. نفس الامر تكرر مع المملكة المجاورة ثم الممالك الاخرى البعيدة.. كان الكل يعرف ما فعله الطيبون وكيف اصبحوا يعيشون في سلام .. لذا فقد فعلوا المثل .. وفي النهاية اصبح لا احد يصنع السلاح.. لا احد يملك سلاح.. ولا احد يحارب .. وعمّ السلام وانتشر الرخاء في جميع ارجاء العالم كله.
قيّم هذا المحتوى من فضلك: