ابو يوسف شيخ القرية الجليل طالما جاءه ابناء القرية يسألونه المشورة لعظم حكمته وعمق بصيرته، ولم تقتصر معرفته على الشريعة، بل كان يدرك روح الشريعة وكثيرا ما نقل افكاره الى سامعيه في احاديثه معهم بقصص وامثلة وشروحات مستفيضة.. واحاديثه كانت عذبة مشبعة.. لم يكن يمل منها احد بل على العكس يصغون اليه تمام الاصغاء.
في طريق عودة سعيد من عمله بالحقل، مر بدار ابو يوسف، قال سعيد لنفسه: “هذا الرجل دواء للقلب! وبرغم فارق العمر بيننا فانه يعاملني كصديق، لا كشاب حديث العمر لا يفقه شيئا!”
كان ابو يوسف جالسا في ظل شجرة امام بيته عندما جاء سعيد، فدعاه للجلوس وتناول كوب من الشاي، واعتذر سعيد، ثم عاد وقبل تحت الحاح الشيخ.. ومضى الوقت بسرعة وسعيد يضحك، ويتحدث مع ابو يوسف، هذا الشيخ الوقور”
منذ ان التقى سعيد والشيخ وكأنه يعرفه معرفة عميقة.. وساد قليل من الصمت تبادر في اثنائه لذهن سعيد سؤال كان يشغله، فقال عسى ان اجد عند ابي يوسف جوابا!
قال سعيد: “كنت اقرأ بعض الكتب عن الاديان التي يعتنقها البشر ليحظوا بقبول الله، وليدخلوا السماء. البعض يضربون اجسادهم، ويجرحونها املا في الحصول على المغفرة والبعض يسافرون على ركبهم وايديهم ليذللوا انفسهم! وقرأت عن فرقة بالهند يعذبون انفسهم بان يسيرون ثلاث خطوات للامام، ثم يعودوا الى الوراء خطوتين..!
والبعض يثولون ان الذي يعمل الصالح لابد ان ينال النعيم. وانا حائر . اي هؤلاء هو الصحيح؟”
فابتسم عم ابو يوسف ثم اجاب: “يجب ان تعرف يا سعيد ان اول كل شئ انه خلال الاف السنين ادى بحث الانسان الفطري عن السلام من خلال عبادة الله الى ان يتفرقوا الى شعاب كثيرة، ويختلفون عن بعض اختلافات هائلة، وهذا ظاهر في تنوع التعبير الديني الموجود حول العالم – من التنوع اللانهائي للهندوسية الى الفلسفات اليونانية القديمة والحديثة والعبادات البدائية الشرقية كالبوذية والكنفوشيوسية الى مذاهب الروحانية فهل افلح هذا في تهدئة ضميره الثائر ومنحه السلام من جهة خطاياه. والاجابة: لا، لان الله يطلب اكثر من مجرد الخير المظهري. ان الله يطلب الانسان البار الذي تنبع افكاره واتجاهاته عن قلب نقي، ولكي اجيبك اروي لك قصة رواها السيد المسيح في الانجيل:
في سالف الايام عاش ملك، اراد ان يقيم وليمة عرس فاخرة لزواج ابنه، فدعا كبير مستشاريه، و بحث معه امر من يدعوهم لحضور الوليمة. الملك له:
ماذا تظن نفعل ؟ لقد دعونا كل اهل البلد، و كلانا يعلم ان هناك قانونا يقضى بعدم مثول احد في حضرة الملك، ما لم يكن مرتديا الثياب الملائمة.
اجاب المستشار : هذا صحيح فمناسبة زواج ابن الملك مناسبة خاصة جدا. و على كل من يحضر ان يلبس افخر الثياب من القماش الملكي. و هذا القماش غالي جدا لا يقدر احد ان يشتريه.. و هنا دخل الامير، و سأل ما بالكما عابسين؟ فشرحا له الموقف. فقال لهما: يجب ان لا يحرم احد الحضور، و علينا ان نقدم ثوبا ملكيا لكل من يعجز عن الحصول عليه.
و بعد كثير من النقاش قرر الملك ان يدفع ثمن تلك الاثواب.
مستشار الملك: و لكن الثمن سيكون باهظا يا سيدي .. سيكلفك ..
الملك: ليست التكلفة مهمة فان رعايا المملكة سيعجزون عن حضور الوليمة. ابني على حق. لا يحرم احد من الحضور الا اذا شاء هو!.
و بعد تجهيز الاثواب ارسل الملك رجاله يدعو الجميع!
الجميع مدعوون للحضور تعالوا ايها الاغنياء و الفقراء و العميان و العرج .. عرف الجميع بامر الثياب الملكية، و انها كلفت كثيرا، و ان الملك دفع لانه يحب شعبه، و لانه اراد ان يشركه شعبه فرحه. قبل الكثيرون دعوة الملك في حين رفض الاخرون، لانهم مشغولون باعمال مختلفة.
اما نبيل و هو احد اغنياء المدينة، فقد بدأ يجهزنفسه لحضور الوليمة..
قال نبيل لخادمه: لا بد ان الملك سيظهر اعجابه بهذا الثوب الذى اقتنيه!
فرد الخادم: لكن الملك جهز ثيابا خاصة لكل المدعو ين!
هذا هراء هذا فقط لطبقات الفقيرة و لست في حاجة اليه!
انه اية في الجمال. لقد حاكه افضل خياطى المدينة. انه يلمع في النور، و تتخلل خيوط الذهب نسيج القماش.. و في خيلاء غادر المنزل الى القصر الملكى.
و عندما وصل القصر، قاده الخدام الى احد الغرف الجانبية ليعطوه الثوب الملكي و لكنه في كبرياء ازاحه جانبا، و رفض ما عرضه عليه الملك!
لا لست احتاج الى شئ و يقول له الخادم : و لكن يا سيدى انت لا تدرى اوامر المملكة، التى تقضى بان اى ثوب لا يصلح يجب ان..
و قاطعه نبيل: انا افهم هذا الذى البسه ليس اى رداء!
و استدار ليدخل البهو الرئيسي حيث المأدبة، وهو يقول: يا لحماقة الخادم ان الملك نفسه سوف يعجب بردائي! و لم يكمل افكاره، حتى صدمه ما رآه! لقد رأى كل المدعوين يلبسون ثيابا تشبه تماما الثوب الذى كان الملك يرتديه!…
قال نبيل: مستحيل…!!!
كأن الغرفة ليس بها الا ملوك و ملكات. و لكن … كيف؟!!
و انطلق صوت الابواق. و عندها دخل الملك ليرحب بالمدعوين، قبل وصول الابن و عروسه، و ابتسم الملك برقة و هو يحي الحاضرين. و عندما التقت عيناه بنبيل توقف، و تغير وجهه.. صمتت الضحكات.. و ساد القاعة السكون للحظات…
ثم قال الملك بغضب: كيف جرؤت على الدخول دون ان تلبس ملابس العرس؟
و لم ينطق نبيل بكلمة و انعقد لسانه من الرعب و التفت الملك الى المكلف بالحراسة و قال قيد هذا و الق به الى الظلام خارج القصر.
نبيل يصرخ: الرحمة كنت اظن ان ثوبى كافيا.
واصدر الملك اوامره للحراس اذهبوا الى ارجاء المملكة و قيدوا ناكرى الجميل الذين رفضوا دعوتى لحضور العرس و القوا بهم في الظلمات.
الاثواب هى اثواب البر لكن ما معنى اثواب البر؟
===
هناك كثيرون يطلبون الله مثل نبيل و هم سعداء بعملهم الصالح و يظنون ان ظهورهم في حضرة الله بثيابهم الشخصية (اي بعملهم الصالح) يجعلهم يربحون رضا الله!
لكن علينا ان نلبس الثوب الممنوح لنا من الله. الذى يشبه ثوب الملك. لان الله لا يقبل ما هو دون مستوى بره – كما قال داود النبي “ليس من يعمل صلاحا ليس و لا واحد”.