الساحر المحتال

%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af

كان يسير في احدى الشوارع الشعبية، حين وجد جمهرة كثيرة، فجذبه حب الاستطلاع وفضوله لمعرفة سبب هذا التجمع، فأخذ يقترب حتى وصل وابتدأ يزاحم وسط هذا الزحام حتى وصل الى المقدمة.

هناك كان يقف الساحر. كان وجهه دميما وملابسه قذرة وصوته غليظ، وعلى الرغم من هذا التف حوله كل هؤلاء ليشاهدوا سخافات يعلمون انها سخافات، يعرفون انه يضحك عليهم بالعابه المبتذلة ، وعلى الرغم من ذلك يشاهدون وعلامات السرور تبدو واضحة في ملامحهم. يصفقون له بكل ما اوتوا من قوة. جذب انتباهه انه يعرف معظمهم، فهذا دكتور امجد وصديقه المهندس تامر، وهذه الاستاذة ليلى المحامية وزوجها الاستاذ ايمن مدير البنك، وابنهم امين الطالب الجامعي وهذا  وهذه و – هؤلاء كلهم معروفين لديه تمام المعرفة – وهذا ما ادهشه اكثر، ترى لماذا ترك كل هؤلاء المحترمين انفسهم لشخص جاهل يضحك بهم وعليهم، ويحولّهم الى جماعة من الحمقى التافهين؟

فسأل من بجواره: لماذا انت هنا وتتابع هذا الساحر الجاهل بكل هذا الشغف؟

فاجابه الرجل دون ان يلتفت اليه: لا اعلم .. في البداية جذبني الفضول ولم استطع الرحيل من وقتها.

فسأل الشاب بتعجب: اذن انت هنا منذ زمن طويل!!! منذ متى؟

وللمرة الثانية جاءته الاجابة: لا اعلم..

وقف يتفرج، وبعد ردحا من الزمن لا يعرف طوله، وللمرة الثانية عاد يسأل من بجواره – وكانت هذه المرة فتاة :

لماذا تتابعين هذا الساحر الجاهل؟

الا ترى كم هي بديعة حيله!

لا ، انا اراها سخافات والعابا مبتذلة..

تجاهلت ما يقوله واكملت حديثها: انا حزينة – اضحك وقلبي مملوء بالحزن- ابتسم ولكن عيناي دامعتان – اطلب دائما والساحر لا يكف عن اجابة طلباتي – انا وغيري من المتفرجين – انه يبهرنا بحيل جديدة وكثيرة على الدوام. انه يربطنا معه ، واصبحت انا بالذات اكثر ارتباطا به –  فقررت ان ابقى معه. فهل لي ان اطلب منك شيئا ايها الرفيق؟

اجبتها على الفور: اطلبي ماشئت. كم يسعدني ان اقدم لك اي خدمة.

قالت:انا اشعر بالبرد والخوف معا. هل تستطيع ان تخرجني من هنا؟ هل تستطيع ان تدفئني – هلا اخذتني بين احضانك – انا جد بردانة..

اسرع الشاب وضمها الى صدره واغمض عينيه وهو يقول: لطالما تمنيت ان اتكلم معك للحظات. لطالما تمنيت ان اراك في احلامي، وانت اليوم تحققينها لي، بل وتطلبين مني ما لم اكن حتى لاحلم به في اجمل واحلى احلامي.. يا لك من انسانة عظيمة و..

قاطعته: لا .. لست انا عظيمة . بل الساحر، الساحر هو العظيم لانه احضرك اليّ الى هنا.

كان يضع منهما رأسه على كتف الاخر وكانا يترنحان، حين سألها الشاب وهومازال مغلقا عينيه ظانا انه في حلم يخشى ان يفتح عينيه فينتهي الحلم. فسألها: كيف يا حبيبتي هذا.. كيف تقولين عظيما وانا اراه سبب لك الهم والغم.. انا اراه ما هو الا احمق يلتف حوله الحمقى مبهورين ببعض الحيل القديمة الحمقاء.

كان لا يزال مغمضا عينيه وهو يضمها الى صدره حين سمعها تقول: اذن انت انت واحد من هؤلاء الحمقى – لانك صدقت هذه الحيلة واستمتعت بها ايضا..

كان موقنا ان الصوت يخرج من بين شفتي حبيبته الملاصق لاذنه، ولكن الصوت كان لرجل ، رجل كان يسمع صوته منذ بضع لحظات.. افاق لنفسه، وادرك انه سقط هو ايضا في الخديعة.. سقط مثلهم جميعا.. سقط من ساحر كان يشمئز منه منذ بضع – لا يعلم، هل هي لحظات ام ايام ام سنوات-  بكى لانه شعر كم هو غبي. وهنا تملكه شعور بالغضب والانتقام..

عليه ان يفضح السائح والان..

عليه ان يتصارع معه ويغلبه.. فهو ساحر مغلوب ومهزومومقيد.. وهنا هم بالانقضاض عليه للانتقام، ولكنه في اللحظة الاخيرة توقف.. لقد ادرك انها الخدعة الثانية التي كان سيسقط فيها.. وهنا صرخ الساحر صرخة مدوية رافضا انكشاف خدعته.. وهنا ادرك الشاب ان عليه الهروب من وجه هذا الساحر الدميم.. عليه ان يهرب ولا ينظر الى الوراء.. عليه ان يهرب لحياته.. عليه ان يهرب من هذا الساحر الذي يضل حتى المختارين.. عليه ان يهرب، ففي هروبه انتصار.. ومجرد خروجه من دائرة سيطرته فوز ومجد..

جرى وجرى.. كان يلهث متعبا ، ولكنه كان فرحا، لانه كان يجري نحو الجعالة غير مضيّعا وقته.. لم يعد تحت سيطرة الساحر . لم يكن هروبه خزيا له، بل اعظم من انتصار.