العبد الناسك

the-rich

للقس تادرس يعقوب

العبد الغريب:

زار احد الاثرياء الرومان الاسكندرية، واشترى منها عبدا اخذه معه الى بلده. كان العبد غريبا في تصرفاته. كان يعمل بجد واجتهاد.. لم يكل قط من العمل، ولا تذمر من كثرته. كان يعمل في الخفاء ، ويساعد العبيد زملاءه في اعمالهم. لم تفارقه ابدا ابتسامته قط، بل كان دائم البشاشة، لكنه لم يكن مهزارا ولا يعرف الاسفاف. تبدو عليه الرقه واللطف لكن في وقار وجدية. حينما يكون بمفرده لا يراه احد الا وهو يترنم ويتغنى بالمزامير والتسابيح. احبه سيده جدا، حتى جعله رئيسا للعبيد. بل كان يتوق كثيرا الى مجالسته، وينجذب الى حديثه.. مع انه قليل الكلام محبا للصمت.

اما العبيد زملائه، فكانوا يحبونه كثيرا. كان كأب حنون يأتيه الكبير والصغير. يشكي له الكبير الامه، فيجد القلب المفتوح المملوء هدوءا الذي يفيض بالسلام. ويأتيه الصغار اذ يرون فيه ابوة حانية. تعلقت نفوس الجميع به ، اما هو فكان حديثه يدور حول شخص الرب يسوع. يفتح لهم الكتاب المقدس ليحدثهم عن يسوع الخادم المحب، والسيد الذي يقدم ذاته مذبوحا لاجل عبيده. يجمعهم ليصلي الكل معا بروح واحدة. وهكذا تغيرت ملامح وجوههم .. من العبوسة الى البشاشة. ومن حياة التذمر الى حياة الشكر، ومن التراخي والاهمال الى العمل والجد. حلت بركة الرب في القصر، وصار السيد يحب عبيده.. كان يراهم اخوته يجالسهم وينصت اليهم. كان يعتز بهم كاحباء واخوة اكثر منهم عبيدا وخدما، وخاصة ذاك العبد السكندري. فقد كان موضع اعتزازه يفخر به ويقدمه لضيوفه ليروا باعينهم ما لم يسمعوا به او يروه قط بين العبيد والسادة.. انسانا هو بحق رجل الله، سبب بركة لصاحب البيت وكل العاملين في القصر.

+++

وفي احد الايام جاء احد الاسكندريين لزيارة هذا الرجل. دخل القصر وتقابل مع صديقه الغني. اخذ الصديق يروي لصديقه عن عمل العبد الاسكندري في البيت، كيف حول حياته وحياة افراد عائلته وحياة العاملين في القصر الى حياة سعيدة، وكيف جذب الكثيرين الى التعرف على شخص الرب يسوع. فتاق الصديق ان يرى ذلك العبد.. فارسل صاحب البيت يستدعيه.

دخل العبد في حضرة الصديقين.. وبدأ صاحب البيت يقدم العبد لصديقه، لكن الصديق لم ينصت الى كلماته، بل تسمرت عيناه في وجه العبد. بدأ يحملق في ملامح وجهه. صار يفكر في نفسه قائلا: “ترى هل هو؟ كيف حدث هذا؟ وما الذي اتي به الى هنا؟!”

صار الرجل كمن هو في غيبوبة، مسترجعا في ذاكرته حياته الاولى. تذكر ما قد حدث منذ سنوات طويلة في احد الاحياء الفقيرة بالاسكندرية، يوم اجتمع مع اقربائه الفقراء في ليلة قارصة البرد.. وعندئذ بدأ يقول في نفسه: “لقد كنا حول النار المتقدة نستدفئ، حينما قال احد اخوتي الفقراء “لقد اخطأت اليوم اذ قابلت بطرس البخيل، وسألته صدقة، فطردني واخذ يلعنني ويسبني كثيرا”. عقب عليه اخر: “لعلك مجنون، لان المدينة كلها تعرف بخله، لماذا ذهبت اليه”. وقال ثالث: “ما اظن اننا نرى يوما بخيلا يضارع هذا الرجل”. فاجبتهم قائلا: “يا اخوتي .. لماذا نكثر الحديث عن هذا الرجل؟ لماذا ندينه على بخله؟ من يدري ربما يتحول قلب هذا الرجل ويصير سخيا؟ الم يغير الرب قلب زكا العشار ولاوي وغيرهما كثيرين؟” ضحك الكل مستهزئين. اجابني احدهم “انت طيب القلب.. لو انك قد اختبرت معاملته لما قلت هذا! ما اظن ان زكا او لاوي او احدا في العالم بلغت به القساوة ومحبة المال مثل بطرس هذا؟.. قال لي ثان: ان كنت تقدر ان تأتي منه بصدقة فاني اعطيك مثلها”. قال ثالث “وانا ايضا اعطيك..”.. وعندئذ احسست بخجل من كلماتهم ، لكنني تشجعت وقلت لهم “يا اخوتي .. انا لا اقدر ان اعدكم بانني قادر بان اخذ منه صدقة، لكنني … انا لا اقدر ان اعدكم بانني قادر بان اخذ منه صدقة، لكنني اعرف شيئا واحدا. اعرف ان سيدي قادر ان يغير من طباعنا. اخوتي ازروه بصلواتكم .. هو اخونا.. مسكين. صلوا من اجل نفسه.. فهو محتاج ونحن ايضا محتاجون ! الله يرحمنا ويرحمه!”.

وبعدما انتهت السهرة مع اخوتي الشحاذين، ذهبت الى كوخي وجلست مع زوجتي واولادي للصلاة كعادتنا. طلبت منهم ان تكون الصلاة مخصصة من اجل نفس اخينا بطرس ومن اجل نفوسنا. وفي الصباح خرجت .. وفيما انا سائر بجوار مكان الجباية رأيت بطرس الذي كان الكل يدعونه بالبخيل ، واذا به يقف هناك. طلبت منه صدقة ، وللحال تكدر وتغيرت ملامح وجهه واخذ يسبني وشتمني… وقفت لا ادري ماذا افعل. رفعت قلبي لالهي يسوع قائلا: “ايها الرب يسوع . اعن هذا الرجل وضعفي”. وفيما انا على هذا الحال اتفق ان غلامه كان اتيا اليه ومعه طعام الافطار .. فاخذ الرجل رغيفا وقذفه في وجهي. اخذت رغيف الخبز من الارض وقبلته وشكرته ، بينما هو غارق في سبابه وشتائمه.. تركته وانصرفت. وفي الطريق صادفت كنيسة.. دخلت وصليت وقلت: “اذكر يا رب عبدك بطرس فانك انت ابوه.. وانت وحدك الذي تحبه”. وفي اليوم التالي.. لم ادر ماذا حدث .. انما اذكر انه صار يعطي بسخاء انا ورفقائي من الشحاذين.. صار يحبنا جدا .. صار سخيا بلا حدود. وفي يوم لم نجده.. لم نعرف الى اين ذهب؟ .. ومن هذا الذي يجلس مقابلي؟ انه هو هو بطرس… كيف صار عبدا؟!! انني غير مصدق عيناي. ما الذي اتى به الى هنا؟!!

افاق الرجل من تفكيره ثم قام عن كرسيه لا شعوريا وسار نحو العبد وهمس في اذنيه “الست انت هو سيدي بطرس الاسكندري؟”واجابه العبد بكلمات لم يسمعها صاحب البيت. ارتمى الرجل على عنق العبد واخذ يقبله. اما صاحب البيت فقد صار مذهولا. لا يعرف كيف يفسر هذا الذي يدور حوله. استأذن العبد منهما.. واذ ادرك ان خبره سيعرفه صاحب البيت وسينتشر في القصر.. هرب للحال.

ركب مركبا وغادر البلدة الى الاسكندرية. ومن هناك ذهب الى بيت ابو مقار.

العبد في البرية:

في البرية التقى العبد الهارب بأحد الاباء الرهبان. قبّل العبد يدي الاب قائلا: “السلام لك يا ابي”.

اجاب الاب: “السلام ا ابني.. ما الذي اتى بك الى هنا يا ابني؟”

اجاب العبد: “لقد سمعت يا ابي عن اخباركم… فاشتاقت نفسي الى ترك العالم لاحيا متعبدا لذاك الذي احبني، واردت ان اكون بينكم لاتعلم منكم واكون خادما لكم”.

عندئذ بدأ هذا الاب يقول له:

“يا ابني هذا الطريق ليس بالطريق السهل.

اننا نعيش في برية قاحلة ، نعمل بأيدينا من اجل قوت يومنا. نأكل الخبز الجاف والقليل من البقول وبعض الخضروات. حروب البرية صعبة يا ابني. لا تظن انك تهرب من العالم لتجد راحة فان عدونا ابليس لا يغفل ليلا ونهارا عن محاربتنا. الطريق ضيق والصليب ثقيل. كثيرون ا ابني جاءوا وبدأوا.. لكن سرعان ما اكتشفوا ثقل الحرب والجهاد.. واذ كانوا هاربين من الام العالم لم يستطيعوا ان يبقوا هنا.. بل عادوا اليه مرة اخرى”.

كان العبد ينصت الى كلمات الاب الهادئة.. وعندما اكمل الاب حديثه، اجاب العبد.

يا ابني .. لي رجاء عظيم في محبة يسوع ان يعينني.. انني اريد ان احبه”

يا ابي .. ارجوك الا تحرمني .. فانني اريد ان احيا ليسوع.

جربني يا ابي .. وانا واثق من نعمة سيدي وتعضيد صلواتك لاجل ضعفي.

يا ابي ارجوك الا تردني.

واذ رأى الاب عزيمته ومثابرته عندئذ بدأ يسأله عن بلده وعمله وحياته.

+++

وافق العبد ان يفاتح الاب بكل اسراره بعدما تعهد الا بيح بسره لاحد الى يوم انتقاله من هذه الحياة.

بدأ العبد يسرد قصة حياته فقال:

“انني يا ابي كنت عشارا اجمع الضرائب في الاسكندرية. كنت بخيلا .. بخيلا جدا.. محبا للمال الى الغايية!.. كنت اعشق المال.. نعم بل كنت اتعبد له. كنت قاسي القلب ، لا اعرف الرحمة، ولا استجيب لدموع شيخ او توسل امرأة او صراخ طفل! كان اناس يرهبونني.. اما انا فكنت اسهر الليالي اراجع حسابات الجزية وافكر في كيف سأجمعها.. كنت دائم القلق. وبقدر مكا كان القلق يساورني كنت اسعى بكل قوة لتكديس المال .. لكن بلا جدوى.

وفي ليلة لا انساها قط. اطفأت السراج وحاولت النوم .. لكن كما العادة – كانت الارقام تتراءى امام عيني.. مرت ساعة وساعتين وثلاث.. احاول النوم لكن عبثا حاولت. واخيرا في الم شديد تنهدت من اعماقي وقلت “يا رب ااحرم حتى من النوم الذي تتمتع به الحيوانات غير العاقلة؟”

وبعد قليل لم ادر ان كنت قد نعست ام كنت في يقظة واذا بي اجد نفسي جائعا.. واذ مائدة عظيمة تنتصب امامي.. اسرعت اليها لاكل شيئا.. ولكن احد الحراس منعني: وبعد الحاح قال لي: “لك طبق واحد.”

اخذت الطبق فرحا ورفعت الغطاء عنه.. واذ بي اجد نفس الرغيف الذي ضربت به الفقير في ذلك اليوم!

قمت من نومي واخذت ابكي. لاول مرة في حياتي كنت اصلي ومن غير ان يعلمني احد الصلاة.قلت: “يا رب علمني ان احبك. هب لي قلبا رحيما”.. جاء الصباح وكنت قد عزمت الا يكون لي عمل الا الرحمة. خرجت من البيت واسرعت الى الكنيسة. وهناك التقيت بأحد الكهنة الذي تعجب لما رآني والدموع تسيل من عيني. سجدت وبكيت وامسكت بيديه وقلت:

“اخطأت يا ابي الى الهي. احببت العالم من قلبي .. والان صل من اجلي فاني اريد يسوع. اريده وحده”.

بدأ لكاهن يشجعني ويطمئنني وبعدها اعطاني ارشادات نافعة. رفع الصليب وبدأ يصلي علي بقلب منسحق فيما كنت انا ابكي بغزارة.

+++

خرجت من الكنيسة لانفذ ما تعهدته. ذهبت الى السجن ودفعت عن كل من حبستهم بسبب المال ظلما. دفعت ثمن الكثيرون من الاطفال الذي كنت سبب في بيعهم كعبيد.

بحثت عن الفقراء وبدأت اقدم لهم عونا بصفة دائمة منتظمة. ذهبت الى عمل … لاعمل باجتهاد وامان ولا اظلم احدا فيما بعد. اقول الحق يا ابي.. لقد شعرت بسعادة غامرة. حرمت منها لسنوات عديدة.

.. وفي احد الايام وانا سائر في السوق رأيت انسانا يرتعش من البرد، فخلعت ردائي وقدمته له. وفي الليل اذ بي ارى في منامي الرب يسوع وهو مئتزر بردائي. اسرعت وسجدت وقلت له: “كيف تقبل يا سيدي ان تلبس ثوب انسان خاطئ مثلي؟ ومن اعطاه لك؟” .. فقال لي “ما تفعله باحد اخوتي الاصاغر فبي قد فعلت”.. قمت فرحا وقلت: “يسوع يلبس ثيابي.. فلاعطيه كل شئ”.

+++

واذ كنت قد وزعت كل اموالي ولم اجد لدي شيئا .. وبعد تفكير ذهبت الى السوق وبعت نفسي عبدا واعطيت المال لاحد خدامي الذين كنت قد اعتقته وقلت له: “لاجل المسيح وزع هذا المال على الفقراء”.. ولكن جاء احد اصدقائي القدامى من الاسكندرية.. وعندما رآني وقع على عنقي وهو يسألني عن سبب مجيئ هنا .. لم اخبره بشئ . لكنني هربت خوفا من المجد الباطل.

وها انا يا ابي بين يديك. اقبلني لاكون خادما لكم.. وارجوك ان تحفظ سري الى يوم انتقالي. وهكذا كان الى تنيح بسلام. بركة القديس بطرس العابد معنا . امين

قصة قصيرة واقعية وردت في السنكسار تحت عنوان “بطرس العابد” يوم 25 طوبة

 

سانتا كلوز، من هو؟

cartoon_santa_claus_03_hd_pictures_170074

لابد انك كثيرا ما جال في مخيلتك من هو سانتا كلوز هذا. ولماذا يقوم مثل هذا الشخص صاحب الاسم الغريب بالتسلل الى البيوت في ليلة عيد الميلاد وطرح هدايا لك من النافذة او امام الباب حتى لا تراه.

سانتا كلوز هو تحريف لاسم القديس نقولا. منذ مدة طويلة كان يوجد زوجان غنيان نبيلان. ولم يكن لهما ما ينقص سعادتهما او ينغص عليهما سوى انه لم يكن لهما ولد، وما اكثر ما صليا لله من اجل الانجاب. واخيرا انجبا ولدا اسموه “نيقولاس” او نقولا. ولقد كانت سعادتهما به لا توصف، وكان تعلقهما به شديدا وافتكرا انه لم يوجد في كل العالم ولد نظيره. وكان فعلا ولدا جميلا جدا. لم يشاغب كما يشاغب كثير من الاولاد ولم يعصى والديه وكان بالاجمال ولدا طيبا محبوبا.

وقد سار كل شئ في العائلة حسنا عدة سنوات غير انه عندما بلغ نقولا الثامنة من عمره حل في القرية مرض مخيف هو الطاعون وقد ذهب ضحيته عدد كبير من الناس. وكان والداه ضمن الذي ذهب الطاعون بهم وهكذا ترك نقولا وحده في العالم. يا للولد المسكين. نعم ترك له ابوه كثيرا من المال لكن ماذا يعمل المال لطفل عمره ثماني سنوات. كان نقولا حزينا جدا وسببت له الكارثة وحشة جعلته كثير الصمت والبعد عن الناس.

ولما كبر كان كثير التجول في شوارع ميرا مسقط رأسه يضع النقود في ايدى الاطفال الفقراء ثم يسير كما لو كان لم يعطي شيئا.

وفي احدى الليالي بعد احدى جولاته في طرقات مدينة ميرا احس بشئ من التعب فوقف بجانب بيت رجل كان نبيلا ولكن الدهر احنى عليه فوصل الى قرارة الفقر وكان له ثلاث بنات وقد سمع نقولا بالصدفة الابنة الكبرى تقول لابيها: يا ابي لا يوجد خبز في البيت وقد بلغ الجوع منا مبلغا ليس بعده احتمال فاسمح لنا ان نخرج الى الطريق ونستجدي!

بكى الرجل العجوز وهو يضع يده على رأس ابنته وقال: ايتها الحبيبات ارجوكن ان تصبرن قليلا. اصبرن الى الصباح اني ارتجي السماء واعتقد ان الفرج سيجئ مع النور. وتنهدت الفتيات فقد كان جوعهن شديدا ولكنهن اطعن اباهن.

ذهب نقولا في طريقه وهو يفكر فيما يمكن ان يعمله لانقاذ تلك العائلة المسكينة. كان يعلم انه اذا قدم مالا للرجل فسيرفضه. هذا فضلا عن ان هذه لم تكن طريقة نقولا في تقديم المساعدة للاخرين. ذهب الى البيت واحضر كيسا من النقود ثم عاد والقاه من نافذة هذه الاسرة الفقيرة ثم ركض..سمع الاب وبناته صوت شئ يرتطم. اسرعن الى مكان الصوت فوجدن صرة النقود ولكنهن لم يروا احدا.

وبينما كان نقولا يسير امام البيت في احد الايام ابصر علامات الفرح وعلم انهم يقيمون حفلة زواج الابنة الكبرى.

وكان نقولا يسير كثيرا في طريق بيت الرجل وكان كثيرا ما يراه مع ابنتيه فقال لنفسه ينبغي ان يكون لكل منهما مهرا لزواجها وعزم على ان يطرح صرة نقود اخرى من النافذة كما فعل في المرة السابقة. وتمت الامور كما رتب ورأى نقولا حفلة زواج الابنة الثانية!

وتكرر الامر ثالثة مع الابنة الصغرى وفي نفس اليوم اعد عدته للسفر الى الاراضي المقدسة. فلما وصل الى اورشليم تكلم الله اليه وامره ان يعود الى بلاده وان يخدم الله من خلال مساعدة الفقراء.

واطاع نقولا وعاد الى ميرا يساعد الفقراء والمعوزين. وحدث ان اسقف المدينة تنيح فاجتمع الكهنة ليختاروا اسقفا وارشدهم الله في رؤيا راها احدهم الى انهم سيجدون الاسقف المعين من الله في الكنيسة صباح اليوم التالي. سيكون هو اول من يحضر الى الكنيسة. لم يكن يعلم بذلك الى الكهنة فذهبوا مبكرين وهناك وجدوا نقولا يصلي كعادته في حضور الكنيسة مبكرا.

قبل القديس دعوة الله على الرغم بشعوره بعدم استحقاقه. كان يحب الشعب ويخدمه بامانة وتنيح عن عمر يقارب المائة العام. ولكن حديث اعماله لم ينقطع فقد ظل الناس يتحدثون عن مساعدات سانتا نيكولاس وتناقلت الناس قصته الى الناس.

نيكولاس قديس الاطفال يحب ان ينفق ثروته في شراء لعب للاولاد والبنات ويتركها لهم دون ان يروه. ان الرياح تنقل نداءات واماني الاطفال: “احضر لي هذا يا سانتا كلوز.. احضر لي ذلك يا سانتا كلوز.. كوفية حمراء… كيس حلوى.. كرة كبيرة.. الخ”. “انظروا لا تحتقروا احد هؤلاء الصغار لان ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه ابي الذي في السموات”(مت18: 10)

نقولا ايضا هو قديس البحارة وشفيعهم اثناء رحلاتهم في البحار.. وعندما تتمزق اشرعتهم ويتعرضون للغرق يتشفعون به فيجدونه قريبا منهم والرب ينقذهم ببركة شفاعته.

ملائكة وشياطين

cxj5xcpvaaawwo7

نحن في ريف فرنسا نحو عام ١٩٠٠م. بين اسرة ريفية صغيرة مكونة من اب مزارع اسمه فيركور وزوجته الطيبة وبنتاه ، الكبري تدعى فيولين والصغرى مارا. كان احد المهندسين ويدعى بيير قد نزل حينا في ناحية كومبرنون الريفية بشمال شرق فرنسا حيث يقام احد الجسور على النهر، وكان يتردد من حين لاخر على اسرة فيركور. والان وقد فرغ من مهمته فهو يتأهب للرحيل.

نشأ بين فيولين وبيير شئ اشبه بالتيار الكهربائي .. اهو الحب؟ لا. لم يكن الحب، لأن الفتاة فيولين البسيطة تحب شخصا اخر، لقد كانت تحب جارها الفلاح البسيط الشاب جاك هوري وتأمل في الزواج منه. ولكن الفتيات في ريف فرنسا كالفتيات في اكثر ارياف الدنيا، يكتمن عواطفهن ولا يخترن الازواج انتظارا لقرار الاب والام. ثم ان بيير كان يكبرها باكثر من  عشرين عاما… ومع ذلك فقد كان بينها وبينه سر كاسرار الروح التي لا تعرف ولا يباح بها. كان قد وعدها بلقاء اخير قبل رحيله الى مقر عمله الجديد ليودعها. وحين  لم تره لم تنم الليل بل سهرت في ثيابها كاملة بعد ان هجع كل من في البيت حتى الهزيع الثالث من الليل، ومن مطبخها سمعت الديكة تصيح مرتين، كأنما كانت تنتظره. محال ان يرحل هذا الزائر الغريب دون ان يقول الوداع.

واذا بطارق يطرق شباك المطبخ برقة قبل الساعة الرابعة صباحا. وتفتح فيولين الشباك. انه بيير وتجفل فيولين لحظات. من اذن لك ايها الغريب ان تدق شباكي في هذه الساعة المتأخرة من الليل وكأنك رب هذه الدار؟

وماذا تفعلين انت في ثيابك الكاملة حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ لا شك انك كنت تنتظرين قدومي… لا تخافي. انا ما جئت الا لاقول الوداع. اني احبك حب الاخ لاخته، وكان لابد ان اراك قبل رحيلي. انما جئت لاقول كلمتي:

“بين ابيك وامك حيث ولدت،

كبرت ايتها الفتاة كما تكبر الشجرة في البستان

سعيدة انت بشبابك، لا تعرفين ما الالم.

وهذا، يا فيولين ما يسمونه الشقاء.

وهو العناء وهو الدمار وهو العار..

اي فيولين! بين لحظة القمر ولحظة الشمس.

هذه احلك ساعة في الليل، حيث السبات احلك سبات،

وحين لا نعرف الامس من الغد.

اي فيولين! هناك من لا يرتووا الا اذا شربوا من ينبوع الحياة..

شقي من لم يعد يعطش..

شقي من ارتوى فمه فارتوى قلبه.

القلب يظمأ للفضيلة الى ان يحمل الانسان صليبه..

الحب الحقيقي لا يعرف النوم ولا الراحة..

كيف تفهمين كلامي اذا قارنت الموت بالحياة؟

حب المرأة للرجل شبيه بانسحاق الموت.

شبيه بقرار الساعة الاخيرة.

فمن تعاهد الموتى يولد الفاني الجديد.

اما الحب الاخر فهو بكل باب يفضي بنا الى الحياة..

العطش الذي لا يروي، عطش لينبوع لا ينضب”.

هذه كلمة. اما الكلمة الثانية فهي:

“العطاء اقتداء بكرم الله.

ومن يضحي بنفسه يقدس نفسه يا فيولين”.

هذه هي الكلمات الجميلة الغريبة التى القى بها بيير الى فيولين وهي تستمع اليه مشدودة كأنما بقوة مغناطيسية… وقبل ان يرحل بيير قبّل فيولين على خدها وهو يقول الوداع، قبلة الاخ لاخته.

وكانت الاخت الصغرى مارا قد ايقظها ما دار من حوار في هدوء الليل، فمشت الى المطبخ ولكنها لم تر شيئا اكثر من قبلة الوداع، ولم تسمع شيئا لانها وصلت في اللحظة الاخيرة… وحين رأت مارا بيير يقبّل اختها هزت كتفيها في استغراب وانصرفت، وهي تضمر شيئا رهيبا.

وكان الاب الشيخ فيركور قد عرف من بيير من قبل شيئأ اقض مضجعه. كان لفيركور اخ اصغر مغامر محب للحياة هاجر في شبابه لامريكا لانه ضاق بالريف وبفرنسا كلها وراح يجرب حظه في الدنيا الجديدة، وهناك تزوج وانجب ثم انقطعت اخباره.

والان عرف فيركور ان اخاه قد مات، فاعتزم ان يسافر الى امريكا بحثا عن اسرة اخيه المتوفي ليكفلها، او عن تركة ان كانت له تركة ليتصرف فيها.

ولكن قبل تنفيذ قراره هذا ، كان لابد له من ان يرتب كل امور بيته لأن غيبته قد تطول. ان امامه مشكلتين عاجلتين هما مشكلة ارضه التي افنى عمره في تنميتها، ومشكلة زواج بنتيه فيولين ومارا. وفي ريف فرنسا كما في كل ريف اخر لابد ان تتزوج البنت الكبرى قبل الصغرى. ولم يكن الامر معقدا ، لان فيركور كان يثق في جاره الفلاح الشاب جاك ويعرف انه رجل جاد رزين يمكن ان يأتمنه على ابنته فيولين وعلى حماية اسرته ، وهو ايضا يعرف ان جاك يحب ابنته حبا عميقا، رغم ان الفلاحين لا يتصارحون كثيرا في امور الحب.

وهكذا قرر فيركور الشيخ تزويج ابنته فاستدعى الزوجة والابنتان ويعلمهم بقراره. اما فيولين فتستقبل القرار في ابتهاج صامت اما مارا الاخت الصغرى فقد وقع عليها هذا النبأ وقع الصاعقة لانها كانت تعشق جاك وتتمنى ان تتزوج منه… وهكذا وقع المحظور: شقيقتان تحبان رجلا واحدا. وكانت هذه بداية المأساة.

عرض فيركور على الفلاح الشاب جاك يد ابنته المبرى فطار من الفرح لان كل احلامه قد تحققت. وما ان انطلق فيركور في رحلته الى امريكا حتى اختلت البنت الصغرى مارا بأمها وطلبت من امها ان تمنع هذا الزواج. يجب ان تبلغ الام فيولين ان تترك جاك لمارا لان مارا تحبه … وعبثا تحاول الام مارا بان فيولين هي الكبرى ويجب ان تتزوج اولا وان هذه هي ارادة الاب وان جاك نفسه يحب فيولين.

لكن مارا كانت تشعر ان كل من في البيت يكرهها ويحابون فيولين على حسابها، حتى عند قسمة الضيعة بين بنتيه، فقد اختص الاب فيولين باخصب جزء من ارضه وترك لها الارض الجدباء والادغال وغير المثمرة. انها تكره من اعماق قلبها فيولين المدللة لأنها تسلب كل حق لها، تسلبها ارضها وتسلبها من تريده زوجا لها، كما سلبتها من قبل تدليل الاب وحنان الام. كلا لن يتم هذا الزواج ومارا تعرف كيف تجعل جاك ينصرف عن فيولين ويتخذها هي زوجا له.

وتبلغ الام فيولين بما قالته مارا، فتضطرب من اعماقها وتهيم فيولين في الحقول وقد انتابها شعور غريب بأنها موزعة بين نداءين: نداء حبها لاختها التي تعرف انها تحب جاك، ونداء حبها لجاك ورغبتها في الزواج منه.

ويأتي جاك ليزور عروسه المستقبلة فلا يجدها في الدار. و تنفرد به مارا، وبخبث الافعى توحي اليه ان اختها فيولين تهيم هنا وهناك بلا ضابط ولا رابط وراء حبيبها الكهل بيير الذي رآته بعيني رأسها يقبلها في المطبخ، في فجر ذلك اليوم. ويضطرب جاك رغم انه لا يصدق ما يسمع، ويخرج باحثا عن فيولين فيجدها على عهده بها الفتاة الرقيقة البريئة الخجول. انه لا يصدق ما سمعه ولكنه يريد ان يتحقق بنفسه من ان فيولين تحبه ولا تحب اي رجل اخر. ومع ذلك فهو يحس بأن شيئا قد تغير فيها. انها دائمة الاطراق، نظراتها دائما منكسرة الى الارض. وحين يحدثها عن الحب والزواج يجدها ترده في وداعة وكأن ثمة امر تخفيه، وتصارحه فيولين بعدم رغبتها في الزواج به، ويستولي الغضب على جاك.

اذن فما سمعه من مارا صحيح، ولا شك انها استسلمت له كأى فتاة فاجرة. وتنتحب فيولين ولا تجيب بشئ اكثر من انها لا تتزوج منه. ومع ذلك فهو لا يزال يحبها وهو على استعداد لأن يتزوجها رغم سقطتها. و يأتيه الجواب دائما وسط نشيجها: لا، انها لن تتزوج منه. وهكذا انتهى الامر.

والان ، وقد نجحت مارا في ابطال زواج فيولين من جاك، فهي قد اعدت امرا شنيعا اخر. وتسأل اختها عن ان كانت تعد للزوج من بيير وتصرّح فيولين بأنها لن تتزوج ابدا.

ما دامت فيولين – تقول انها لن تتزوج ابدا، فما حاجتها الى نصيبها من الضيعة ، وما معنى تقسيم املاك الاسرة؟ أليس من الافضل ان تتنازل عن نصيبها لأختها الصغرى التي ستتزوج وبذلك يبقى كل شئ على حاله؟ لقد اعدت مارا وثيقة تنازل ولم يبق الا ان توقع فيولين الوثيقة . وبل تردد تمسك فيولين بالريشة وتوقع التنازل.

وما ان تفعل ذلك حتى تجفف مارا توقيع فيولين بحفنة من رماد ثم تقذف الرماد في وجه اختها في احتقار بارد، وتمتلئ عينا فيولين بالرماد فتصرخ من الألم وهي تكاد لا تبصر شيئا. وتصرخ مارا في وجه اختها:

– انني الان املك كل شئ . اني امقتك.. انك لا تزال تبصرين طريقك الى الباب. هيا اخرجي من هذا البيت فانا اعرف ان جاك يحبك، ولن اسمح ببقائك .. هيا اخرجي من هذا البيت الذي جلبت عليه العار.

– ولكن اين اذهب ؟

– الله يتولاك برعايته ايتها الحمقاء.

وهكذا تطرد مارا فيولين من بيتها بعد ان سلبتها زوجها ومالها. وتهيم فيولين في الوديان والغابات وقد فقدت بصرها بسبب حفنة الرماد.

هامت على وجهها في الغابات الجرداء تأكل من حشائش الارض وتنام في كهف، ومع ذلك فق كن يضئ في قلبها وور الهي اغناها بالبصيرة عن البصر. ولم يبق على جسدها الا اسمالا ثم اردية من القش والخوص… وشاع عن هذه العذراء العمياء انها تأتي المعجزات فتشفى المرضى وترد البصر الى العميان.

وتتزوج مارا من جاك ولكن كان العدل الالهي لها بالمرصاد، فمارا بعد ان تزوجت انجبت طفلا اعمى مثل خالته فيولن، مفتوح العينين لكنه لا يبصر، ضحية بريئة من ضحايا القدر، ليكون شاهدا ماثلا امام امه ليلا ونهارا على جريمتها النكراء.

وتسمع مارا عن هذه القديسة او الساحرة فيولين التي يأتيها الناس في كهفها لترد لهم البصر، فتحمل غلامها الى الغابة الجرداء وتلتقى الاختان، وتحمل فيولين الغلام النائم بين ذراعيها فيستيقظ من نومه فاذا بصره قد رجع اليه.

ولكن الحقد الاسود في قلب مارا لم ينتهي بعد، حيث عادت ذات ليلة الى الكهف مرة اخرى ثم اطبقت على عنق اختها وطرحتها ارضا وذهبت تحطم رأسها على حجر حتى غابت عن الوجود، ثم القت بجثتها في حفرة وغطتها باوراق الشجر…

وجدها اناس من القرية بينما كانت تحتضر، فبقيت لديها كلمات تريد قولها. نعم، انها كانت تحب جاك، ولكن قبلة بيير بدلت كل شئ. كانت مثل قبلة ملاك الموت على خدها، فعرفت ان الله قد اختارها لاشياء اخرى غير الحب والحياة. انها لم تكن تحب بيير كما كان جاك يتوهم ، ولم تره منذ افترقا ليلة القبلة حتى هذه الليلة حين وجدها جريحة في الغابة بين الموت والحياة. انها قد فجعت ان يظن جاك بها الظنون. انها لم تحب احدا غير جاك ، ومع ذلك فقد كانت تعلم ان اختها مارا تحبه ايضا، فضحت بنفسها من اجل سعادة اختها. انها تغفر لاختها ، فلولا انانية اختها لما استطاعت فيولين ان تتحقق انها قادرة على كل هذه التضحية. ان النهاية اقتربت وهي ترى الآن اخواتها في الالم: القديسة براكسيا، والقديسة سيسيليا.. انها لا تحب ان تدفن هنا، وهي بغير اب وام وزوج وولد. انها تريد ان تدفن في مقابر الفقراء والايتام.

وتلفظ فيولين انفاسها الاخيرة، فيغطي الرجال وجهها ويحملنها على محفة الى حيث طلبت ان يكون مستقرها الاخير.

***

ماذا نتعلم من هذه القصة؟

لا اقتراب الى الله الا بالحب، ولا حب الا بالعطاء، ولا عطاء الا بالتضحية، والله الذي خلق فيولين التي شابهت الملائكة، خلق ايضا مارا التي شابهت الشياطين. كما ان بيير الذي اعد فيولين لهذا هو رمز لانكار الحياة الدنيا والفناء في الحب الاكبر. انه هو الذي دلها على الطريق: طريق الحب والتضحية.