الظلمة خيمة كثيفة النسيج مترامية الاطراف تضرب اوتادها بقسوة من حولي، والارهاق عملاق منتصب امامي بتعجرف ويعتصرني من وسطي كالدب بين ذراعيه القويتين. اما الملل، فكان كساحرة عجوز شريرة خبيثة تكرر تعاويذها وتعيد على مسامعي طلاسمها المبهمة بلا فائدة !
وانا على هذه الحالة قلت لصديقي:
لماذا لا نلتذ بالحياة ولماذا تصر المسيحية على ان تجعلنا نكره التنعم والراحة؟
اجاب: ان التنعم ما هو الا الباب الواسع الذي حذرنا منه المسيح. بل ان جل الفلسفات الوثنية جعلت من التنعم هو هدف الحياة. فالأبيقورية اعتمدت فلسفتها على رفض فكرة الخلود ونبذ التعليم عن الحياة الأخرى، ومن هنا فهى تدعو إلى ملء الكأس من اللذّة قدر المستطاع فى الوقت الراهن. كذلك فإن الأبيقورية متشائمة، تتوقع فى الغد شراً وفقراً وحرباً، ولكن المسيحية نادت بأن نسعى لتكون الحياة مقدسة مثمرة.. فالسعادة تكمن لا في تعاطي اللذات ولكن فى قمع الشهوات.
– لكني ارى في قولك تناقض – كيف تنادي هذه الفلسفة بالتلذذ وكيف تكون متشائمة معا؟
– الحقيقة ان هذه الفلسفة تنتمى إلى الفيلسوف أبيقورس ، الذى ولد فى ساموس سنة 340 ق. م. وتوفى سنة 270 ق. م.، وقد علَّم أولا فى أسيا الصغرى ثم أثينا، وجاءت فلسفته فى ظروف اجتماعية وسياسية غير مستقره، تدعو إلى القلق وتنبىء بعدم الإستقرار، ومن ثم فقد نادى بالإستمتاع باليوم.
– ولكن ما الخطأ في المتعة؟ ما العيب ان نستمتع بالحياة ومباهجها؟
– تكمن خطوره هذه الفلسفة ، فى أن المتعة التى سعى إليها الإبيقوريون كانت متعة أنانية، وكذلك رفضت فكره الخلود والحياه الأبدية. ولكننا نحن نرغب فى مذاقة الأبدية.
– اذا انت تقول انه يجب ان نتجنب كل متعة ، فهل نكتئب اليوم فى انتظار الخير والسعادة غدا؟!
– كلا، فاليوم أجمل وأفضل.. والذي لا يستطيع الإستمتاع باليوم، قد لا يستطيع الإستمتاع بالغد، فإن روعة الحياة وجمالها وإبداعها، يكمن في الساعات القليلة التي نحياها الآن، فإن ضاعت، فقد ضاع العمر كله.. اقرأ ما كتبه أحد الفضلاء:
“انظر إلى هذا اليوم.. إنه الحياة.. جوهر الحياة.. فى ساعاته القليلة تكمن حقيقة وجودك.. معجزة النمو.. ومجد العمل.. وروعة الانتاج.. فالأمس ليس إلا حلماً.. والغد ليس إلا خيالاً.. أما اليوم إذا عشناه كما ينبغي، فإنه يجعل من الأمس حلماً سعيداً.. ومن الغد خيالاً حافلاً بالأمل..”