بدأ غاندي في قراءة “الإنجيل” وقد سره كثيرا أن يدرك أن بعض تعاليم المسيح تشبه إلى حد بعيد بعض تعاليم كتاب (الجيتا). ومن خلال قراءته لكتاب المؤلف الانجليزي “كارليل” تمكن من معرفة الكثير عن محمد رسول الله و أعجب كثيرا بعظمته وشجاعته و باسلوب الحياة البسيطة التي كان يحياها . ومن نتيجة هذه القراءات والدراسات تبين له أن الحقيقة التي يحبها لاتوجد كلها في ديانة أو عقيدة واحدة ! .
ولم تكن السنوات القليلة التالية لوصوله إلى الهند سنوات سعيدة . حيث وجد أن عمله كمحام عمل لا يسره ، و أدرك أن هذه المهنة لاتناسبه .
***
(و من خلال كفاحه في جنوب أفريقيا ، اكتسب غاندي ايمانا لا حد له ببعض طرق الكفاح التي اتبعها فيما بعد ضد المستعمرين الانجليز في وطنه الأم .. لقد آمن غاندي بالقوة الروحية الكامنة في الانسان .. تلك القوة التي تمكنه من مواجهة الشر ومكافحة القوة .، … و برفض إطاعة الأوامر والقوانين الجائرة .
و كان على كل من يعتنق هذه المبادئ من أتباع غاندي ، أن يمتنع تماما عن العمل مع الحكومة .. و أن يمتنع أيضا عن طاعة أي قانون ظالم ..وعندئذ لن تستطيع الحكومة أن تفعل شسئا ، أو ستصبح على الأقل محدودة القدرة على مواجهة مثل هذا الموقف .
وقد تعرض غاندي للسجن في مرات كثيرة ، ومع ذلك فقد ظل أتباعه ينفذون مبادئه وتعاليمه.)
***
(وكانت طبقة “المنبوذين” تعتبر أحط الطبقات طبقا للعقيدة الهندوسية . ولم يكن مسموحا لهم الا بالعمل في أحط الأعمال . ومع ذلك فقد سمح غاندي للمنبوذين أن ينضموا إلى “الأشرام” مثلهم مثل غيرهم سواء بسواء .
و لكن عندما كانت تنضم احدى عائلات المنبوذين إلى جماعة غاندي ، كانت المشاكل تبدأ على الفور . فيظلوا منبوذين من بقية أفراد الجماعة ، كما أن أثرياء الهندوس الذين كانوا يقدمون بعض الأموال لمساعدة الجماعة امتنعوا عن ارسال مساعداتهم حتى لا تصل الى هؤلاء المنبوذين ..
فقرر غاندي على الفور أن يضع خطة لنقل جميع أعضاء جماعته و هو على رأسهم الى الأحياء التي يعيش فيها المنبوذون . و أن على أعضاء الجماعة أن يكسبوا عيشهم بأداء نفس الأعمال المنحطة التي فرضت على هؤلاء المنبوذين.
وفي أثناء قيام غاندي بإعداد تلك الخطة جاءه أحد كبار التجار المسلمين ، و استأذنه في أن يقبل بعض الأموال كمساعدة منه للجماعة .و في اليوم التالي أحضر هذا التاجر المسلم اموالا تكفي لمساعدة الجماعة عاما بأكمله . وقال غاندي في ذلك : “ان الله قد ساعدنا في اللحظة الأخيرة..” )
***
(وذات يوم ذهب ليرى الأحوال السيئة التي يعيش فيها مجموعة من فقراء الفلاحين الذين يعملون في احدى المزارع ، فالتف حوله مئات ومئات من الناس .. جاءوا ليروا هذا الصديق الذي يريد مساعدتهم .. و جاء رجال الشرطة و أمروه بالانصراف ، ولكنه أعلن رفضه لتنفيذ الأمر ، فقبضوا عليه . وفي المحكمة شرح للقضاة السبب في رفضه لتنفيذ الأمر ، وطلب من المحكمة أن توقع عليه عقوبة عدم تنفيذ الأمر وعدم طاعة القانون !.. و لكن المحكمة لم تستطع أن تفعل شيئا أمام هذا المنطق ، فأمرت بإطلاق سراحه.
واعتبرت هذه المحاكمة أول خطوة لاتجاه جديد ذاع وشاع و أصبح مألوفا في كل أنحاء الهند ، و هو رفض الأوامر والقوانين الجائرة مع الاستعداد الهادئ لتحمل عقوبة هذا الرفض أو العصيان.)
***
(وفي سنة 1930 وقعت حادثة مشهورة سميت باسم “مسيرة الملح” !
أصدرت الحكومة قانونا بمنع الناس من صناعة الملح من ماء البحر ، وذلك لاجبار الناس على شراء الملح من الحكومة .
واعتبر غاندي هذا القانون ظالما وجائرا و يجب على الهنود أن يرفضوه . وأعلن للشعب أنه سيقود مسيرة من أتباعه متجها نحو البحر الذي يبعد نحو مائتي ميل . و هناك سيعلن رفضه لهذا القانون ويصنع بنفسه ملحا من ماء البحر … ، و أعلن أن الله قد وهب البحر للناس ولا يمكن لحكومة من البشر أن تحول بين الناس وخير البحر !
وبطبيعة الحال فقد سجنته الحكومة لمخالفته لقانون الملح . ولكنه خرج من السجن بعد العقوبة ليواصل كفاحه من أجل شعب الهند .)
***
( .. نشبت اضطرابات فظيعة في معظم أنحاء الهند . خصوصا في المناطق والولايات التي كان يعيش قيها الهندوس و المسلمون جنبا الى جنب.
وبينما كان هذا الصراع الرهيب على أشده في مختلف مناطق الهند ، كانت المنطقة التي يعيش فيها غاندي هادئة و توقف فيها صراع المسلمين والهندوس تماماـ وذلك بعد أن أعلن غاندي صيامه واضرابه عن الطعام حتى يتوقف هذا الصراع . ونظرا لأن غاندي كان محبوبا ومحترما من جانب كل من المسلمين و الهندوس ، فقد توقف الصراع بالفعل ..
وفي يوم 30 يناير سنة 1948 ، وبينما كان يمشي ببطء خارجا من بيته متجها الى معبد قريب لأداء الصلاة ، و وسط جمهور حافل اجتمع لمشاهدته وللاشتراك معه في صلاته ، اندفع شاب “هندوسي” من بين الناس و أطلق الرصاص على غاندي ، ظنا منه أنه يقف الى جانب المسلمين أكثر من وقوفه الى جانب الهندوس ) ! 😦
وهكذا رحل المهاتما …