احضر الحرس ثلاث رجال اشداء. وما ان مثلوا امام الزعيم وقدموا التحية حتى امرهم بلهجة صارمة:
– هيا! احكوا له ماذا فعل النمنم بزملائكم!
اجاب الثلاثة في صوت واحد:
– النمنم، يا لهم من وحوش، لقد هجموا علينا في وحشية وقبضوا على اربعة منا وذبحوهم واكلوهم.
اما فرومنتيوس الذي ادرك كذبهم فقد قال للقائد:
– اطلب من سيدي ان يأذن لي بخروج اثنين من هؤلاء الرجال الى الخارج.. وافقه القائد. وعندئذ وجه فرومنتيوس اسئلته للرجل :
– متى حدث هذا ايها الرجل الشجاع. اخبرني في اي وقت حدث هذا؟
– حدث هذا منذ اسبوع في الصباح الباكر عقب شروق الشمس بقليل.
– كم عدد المهاجمين من النمنم؟
– حوالي 25 رجلا.
– ولماا قبضوا على الاربعة فقط وتركوكم انتم؟
– لقد تمكنا من الفرار.
– كيف تهربون وتتركون اخوتكم دون ان تدافعوا عنهم. اين شجاعتكم؟
صمت الرجل..
– كيف اكل النمنم الاربعة رجال؟
– لقد اشعلوا اليران والقوهم فيها وهم احياء وبعد قليل اخرجوهم وصنعوا وليمة بهم ونحن نراقبهم.
طلب فرومنتيوس من القائد ان يعزل هذا الرجل بمفرده، ويأمر باحضار الرجل الثاني. حضر الرجل الثاني وبدأ فرومنتيوس يسأله:
– في اي وقت حدث الهجوم؟
– وقت غروب الشمس.
– كم عدد الرجال الذين هاجموكم؟
– كانوا 10 رجال.
– كيف اكل الرجال زملاءكم؟
– لقد اوثقوهم وذبحوهم قدامنا. ثم اشعلوا نارا ووضعوهم فيها فلم نحتمل واسرعنا بالهرب.
اندهش القائد واتسعت عيناه، وعلم انه قد وقع فريسة كذبة كبيرة.. طلب فرومنتيوس ان يسمع الرجل الثالث، وسأله نفس الاسئلة، فبدأ قائلا:
– في اي وقت من النهار حدث الهجوم؟
– وقت الظهيرة.
– كم عدد الرجال المهاجمين؟
– لقد كانوا بالمئات على الارض .. وكان كثيرون ايضا فوق الاشجار. لقد كان كالجراد في العدد.
– وكيف اكل الجراد، اقصد النمنم زملاءكم؟
– لقد انقسم النمنم الى اربعة فرق. كل فرقة حملت رجلا حيا ، وركضوا به في اتجاه القبيلة فعلمنا ما سيكون.
لم يحتمل القائد اكثر فصرخ:
– ايها الرجل الجبان. لقد كذبتم علي. ان اقوالكم تضاربت.
– ما هي الحقيقة؟
– خاف الرجل وارتعب واعترف قائلا:
– بينما نحن في الطريق ثار نزاع بيننا حتى اننا انقسمنا الى فريقين، وعلى حين غرة هجمنا نحن الثلاثة على الرجال الاربعة فقتلناهم ودفناهم تحت شجرة ضخمة، وخوفا من العقاب اتفقنا على القاء التهمة على قبيلة النمنم.
امر القائد باعدام القتلة، وامر كبير حرسه شنشن ان يضرب البوق ليعلن التوقف عن القتال. وبالفعل انطلق شنشن الى جبهة القتال . كان القائد الميداني في الصفوف الامامية قد وضع خطة الهجوم واتفق مع باقي القادة عليها. وهي ان يطلق سهما مشتعلا فتهجم اربعة فرق: الاولى من اليسار والثانية من اليمين، والثالثة من الوسط تتبعها الرابعة لانهاء المعركة.
كان القائد قد فوّق السهم المشتعل في الوتر وعلى وشك الاطلاق، حين رأى شنشن رئيس الحرس الخاص بزعيم قبائل الزولو على جواده وهو يصرخ:
– توقف. لا تطلق اشارة بدء الهجوم.
– ماذا بك يا شنشن؟
– لقد اصدر الزعيم شنتو اوامره بالانسحاب.
– كيف هذا؟ لقد وضعت خطة محكمة لابادة النمنم؟ ان رجالي الشجعان على اتم الاستعداد وفي قمة الحماسة لخوض المعركة ثأرا لاخوتنا. امهلني ساعة واحدة فقط.
– لا استطيع . ولا يستطيع احد منا ان يخالف اوامره، كما اننا نثق في حنكته، ونعرف انه يعمل لصالح قبيلتنا، ومؤكد انه اعلم بالامور..
انتظر رجال الزولو اشارة البدء، فلم تكن وبدلا منها انطلقت الابواق تعلن الانسحاب.
وانتظر النمنم الهجوم الوشيك فلم يكن . واكدت قوات الاستطلاع الامر ورصدت انسحاب رجال الزولو. وحينما وصل الامر الى اركاديو قال:
– انها خطة خبيثة. انهم يتظاهرون بالانسحاب حتى نطمئن ثم يباغتوننا.. لاحظ ارغاديو ان ابنه غير متواجد.. وبعد حوالى الساعة شاهد ابنه ارغاديو وفرومنتيوس مقبلان من جبهة الاعداء.
– يا ابي .. افرحوا ان الزولو قد ذهبوا الى الابد وبدون رجعة ولن تكون هناك حرب ولن تسفك الدماء.
– ماذا تقول يا ارغاديو؟
– الفضل يرجع الى فرومنتيوس. .. وحكى لابيه عما حدث في مخيم الاعداء.
هتف اركاديو:
– يحيا فرومنتيوس.. يحيا فرومنتيوس.
ورددت القبيلة صدى صوت الهتاف ودقت طبول الفرح. بينما وقف فرومنتيوس يردد هذه الكلمات:
– انا لم افعل شيئا ايها الاخوة. الفضل كله يرجع الى الرب الذي يحبكم.. لكن كانت حماسة وفرحة النمنم تفوق الوسط وغلبت اصواتهم وهتافهم صوته:
– انك من انقذتنا من الزولو.
واخذوا يرتلون بحماس بعض اناشيدهم التي خصصوها لتمجيد الالهة… اشعلوا النيران فبدت الوجوه التي كانت من قبل عابسة غاضبة صارت فرحة مستبشرة. كان بعض الرجال قد صنعوا محفة فاحضروها ليجلس عليها فرومنتيوس، واحضروا تاجا صنعوه من بعض نباتات الغابة، كما احضر كثير من الرجال بعض الهدايا: ماعز، ثمار جوز الهند، الموز، والملابس المزركشة، وتحف صنعوها من العاج، وتحف اخرى من معادن مختلفة كانوا قد اخذوها من ضحاياهم الغرباء ..
هوذا كل شئ قد اعد. ولكن فرومنتيوس لم يظهر الان.. بحثوا عنه فلم يجدوه.. انطلق اركاديو برفقة ابنه ارغاديو وتبعهما رجلان اخران الى قلب الغابة الى المكان الذي يحب فرومنتيوس الاختلاء فيه.. فماذا رأوا؟
لقد رأوه راكعا ورافعا يديه ، ومستغرق في صلاته العميقة من اجلهم.. لم يشعر فرومنتيوس بمن حوله ولا سيما ان هؤلاء الرجال يتمتعون بحركات خفيفة.. انتظروه حتى انتهى من صلاته، ثم قال اركاديو:
– هيا يا فرومنتيوس، ارع لأن القبيلة كلها في انتظارك.
وصل فرومنتيوس الى القبيلة وسط صياحات الفرح، وارتفعت المشاعل ودقت طبول الفرح ثم ارتفعت اصواتهم باناشيد الثناء والتمجيد لفرومنتيوس ..
– سامحوني يا اخوتي. اني لم افعل شيئا، ولكن الذي خلصكم من الموت والحريق والدمار هو الهي يسوع المسيح.
– احضره لنا يا فرومنتيوس ونحن ننصبه ملكا علينا.
– انه ملك السموات والارض . جميع ملوك العالم هم عبيد له.. نراه بعين الايمان وهو الان قائم في وسطنا.. لا يخلو منه مكان او زمان.. هو خالق كل الاشياء.. لقد جبلنا من العدم لانهيحبنا..
قال ارغاديو: لقد لمست اليوم عمل اله فرومنتيوس معنا عندما انقذنا من الهلاك.
وقال اركاديو: وانا اعرف اله فرومنتيوس واؤمن به، ورأيت كتابه المقدس الوحيد الفريد.
قالوا: عظيم الهك يا فرومنتيوس . نرجوك ان تكلمنا عنه.
تحدث فرومنتيوس معهم عن الله ومحبته العظيمة للانسان، وكيف خلق ادم وحواء بعد ان خلق لهما كل شئ هم في حاجة اليه، وكيف اسقط الشيطان الانسان فوقع تحت حكم الموت، والله من محبته لم يترك الانسان فريسة للموت، لذلك تجسد وتأنس ومات على الصليب نيابة عن البشر جميعا.
قال ارغاديو: ما دام الهك قد مات يا فرومنتيوس، اذا فهو ضعيف.
– لو ان الهي مات على الصليب فقط وانتهى الامر عند هذا الحد لكان فعلا الها ضعيفا، ولكن الحقيقة ان الهي يسوع المسيح بعد ان مات ودفن في القبر 3 ايام ليؤكد حقيقة موته قام من بين الاموات ، وانتصر لحسابنا على الموت والشيطان والخطية.
دعوني احكي لكم بعض المواقف قبل واثناء الصليب.. عندما هجم عليه الجنود في بستان جثسيماني، قال لهم: “من تريدون؟”. وكان ردهم : “يسوع الناصري.”. اجابهم: “انا هو.”
فماذا حدث؟ لقد عادوا الى الخلف وسقطوا على وجوههم. وكان امامه الفرصة ليهرب،ولكنه من اجل هذه الساعة قد جاء فانتظر حتى قاموا واعاد عليهم السؤال، واشترط تسليم نفسه اليهم ان يطلقوا التلاميذ، وفعلا اطلقوا التلاميذ.. وفي اثناء هذه المحاولة استل بطرس سيفه وضرب ملخس عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه .. لم يشجعه المسيح بل امره بان يرد سيفه الى غمده، لان طريقه هو طريق السلام البعيد كل البعد عن السيف والقتل والانتقام. لقد اندهش بيلاطس من شجاعة الرب يسوع وعدم رهبته الموت، وعندما علق على الصليب لم تحتمل الشمس النظر اليه فحجبت اشعتها فصار ظلام دامس على المسكونة 3 ساعات. والارض لم تحتمل الصليب والسيد المسيح عليه يتأوه ويتألم فتزلزت وارادت ان تهرب لولا انها ممسوكة بكلمة الله. والصخور تشققت، واكثر من هذا: كثير من القديسين الذين ماتوا عادوا الى الحياة، وحجاب الهيكل انشق وقائد المئة عندما شهد هذا قال: “حقا كان هذا الانسان ابن الله”.
واليهود الذين صلبوه عادوا وهم يقرعون صدورهم قائلين: “حقا كان هذا الانسان بارا”.
اما في لحظة تسليم روحه صرخ بصوت عظيم: “يا ابتاه في يديك استودع روحي”.