حدث في ذات ليلة من ليالي الشتاء ان بيتهوفن كان يسير يوما مع صديق له في احدى حواري مدينة بون وكان القمر يطل ويرسل اشعته الفضية الى تلك الحارة فيحولها الى قطعة من نور. كان المنظر ساحرا جدا. وكان بيتهوفن مأخوذا بسحر ما رأى ، ولكنه وقف بغتة امام منزل صغير بسيط (كوخ) ، كانت بعض النغمات الموسيقية تنساب من داخلها، لم يسمعها صديقها لكن اذنا بيتهوفن المرهفة التقطتها، فاشار الى صديقه ان يصمت. واذا اصغى الاثنان اكتشفا ان اللحن هو احدى مقطوعات بيتهوفن.وقال المؤلف العظيم وقد فاض وجهه بالبهجة : “ما هذا العزف الجميل؟!” وانقطعت الموسيقى فجأة ، وسمع الاثنان صوتا يقول بحزن “لا فائدة! لن استطيع العزف! ان المقطوعة ابرع من ان اوفيها حقها من العزف المتقن!”
وعجب صديق بيتهوفن حينما طلب بيتهوفن اليه ان يدخلا الكوخ. فقال: “لماذا؟”
فاجاب : “لاعزف المقطوعة!”.
وحينما فتح الباب ودخلا ابصرا اسكافيا يصلح حذاءا ومعه فتاة جالسة الى الة بيانو قديمة. وقال معتذرا : “لم استطع الا ان اطرق الباب حينما سمعت العزف وسمعت ما قلتيه. هل اعزف المقطوعة لك؟”.
قال الاسكافي: “ان التنا البيانو ونحن لا نملك شيئا من الالحان الموسيقية. قال بيتهوفن: “اذن كيف كانت الفتاة تعزف؟”
ادار الاسكافي وجهه وهو يحدق بنظره الي ابنته العمياء.
فهمس بيتهوفن اسفا بكلمات اعتذار، فقد كانت الفتاة كفيفة.
وقال لها التمس عفوك انك تعزفين بالسماع. اين سمعت هذه الموسيقى؟
وعلم بيتهوفن ان الفتاة كانت تتمشى في الليالي المقمرة ذهابا وجيئة بجوار بيت كبير كانت فيه سيدة تتمرن باستمرار على العزف،وفي الحال جلسبيتهوفن على البيانو واخذ يعزف. كان العزف رائعا. لم يسمعه صديقه يعزف مثلما عزف هذا الوقت. وظل يعزف ويعزف حتى بدأ نور الشمعة يضعف الى ان انطفأ وبقى الجميع في ظلام.
فتح بيتهوفن درف النافذة فدخل نور القمر ، وصمت بيتهوفن وهو يتأمل باعجاب في نور القمر الجميل كما لو كان يصغي الى تلك الموسيقى السحرية – موسيقى اشعة القمر الفضية. ظن الاسكافي ان بيتهوفن انتهى من عزفه، فقال “يا له من رجل عجيب!” ثم التفت الى صديق بيتهوفن وقال “وماذا انت؟” وقال بيتهوفن: “صمتا” ثم عاد يعزف الفاصلة الموسيقية الاولى ن السونات الشهيرة.
وهنا انفجرت الفتاة العمياء قائلة “لابد انك بيتهوفن نفسه!” واذا تهيأ الموسيقار العظيم للانصراف قالت له بترجي “اعزف لنا! اعزف لنا مرة واحدة فقط!”
اجاب بيتهوفن “انني سأؤلف سوناتا لضوؤ القمر”. قال هذا وهو ينظر للسماء البهيجة!
وجعل يعزف موسيقى حزينة هادئة بدا كما لو ان اشعة القمر تنساب بهدوء على الارض، ثم تبعتها موسيقى صارخة سريعة ظهر كأن جنيّات ترقص على الته الموسيقية وختم بقطعة هادئة منفصلة بدت كأنها صوت احتكاك اجنحة الملائكة ببعضها وهي تسبح في الفضاء!
صمتت الموسيقى واذا بالثلاثة الذين كانوا يستمتعون يجلسون مأخوذين . وقام بيتهوفن وترك المكان مسرعا وقال وهو يغادر: “سأعود مرة اخرى لاقدم للفتاة العمياء بعض الدروس.”
كان بيتهوفن يسير بعجلة. في الحقيقة كان يركض ركضا في الطريق وهو يقول لصديقه “اسرع! ينبغي ان اصل في الحال الى البيت حتى اكتب هذه المقطوعة (السوناتا) قبل ان تضيع من ذهني!”.
وجاء الفجر ليجد بيتهوفن يكتب الفواصل الموسيقية الاخيرة لهذه السوناتا.
وهكذا كانت مساعدة بيتهوفن لفتاة عمياء السبب في تقديم Moon light sonata المشهورة التي تعتبر من اشهر الاعمال الموسيقية.
==