سرب الاوز

core201_01

كان هناك رجل لا يؤمن بالله، و لم يتردد في اخبار الآخرين عن شعوره وافكاره الالحادية حول الدين والأعياد الدينية، مثل عيد الميلاد. لكن زوجة هذا الملحد كانت مؤمنة، وربت أطفالها على الإيمان بالله ويسوع.

وفي ليلة عيد الميلاد، اخذت الزوجة أطفالها إلى الكنيسة لحضور ليلة عيد الميلاد فيها. طلبت من زوجها أن يأتي، لكنه رفض. وقال انه “! عيد الميلاد ما هو الا هراء”. “لماذا يضع الله نفسه و يأتي إلى الأرض كإنسان؟ هذا كلام سخيف! “ذهبت هي والأطفال للاحتفال، وبقي الرجل في المنزل.

وبعد مدة، زادت الرياح وهبت عاصفة ثلجية. نظر الرجل من النافذة، كل ما استطاع رؤيته عاصفة ثلجية. جلس على اريكة بالصالة للاستدفاء أمام النار. وما هي الا لحظات حتى سمع دوي عال. كان شيئا اصطدم بالنافذة. ثم ارتطم شئ آخر. تطلع الرجل للخارج، ولكنه لم يتمكن من الرؤية الى مدى أكثر من بضعة أقدام. اصاخ السمع قليلا، ثم غامر للخروج الى خارج لمعرفة ما الذي اصطدم بنافذة منزله. وفي الحقل قرب منزله وجد سربا من الإوز البري. على ما يبدو أنه كان يتجه جنوبا لقضاء فصل الشتاء  في البلاد الدافئة ، ولكنه حوصر في عاصفة ثلجية واصبح غير قادر على مواصلة الطيران. اصبح سرب الاوز البري بلا طعام أو مأوى. كان الاوز يخفق بأجنحته ويطير في دوائر على مستوى منخفض حول المنزل ، وكأن جميع الاوزات اصبحت عمياء وبلا هدف.

“لا شك ان اثنتان من هذه الاوز هما اللذان ارتطما بنافذة المنزل”، هكذا فكر الرجل في نفسه.

شعر الرجل بالاسف لهذا الاوز وأراد مساعدته.

“ان الحظيرة تمثل مكانا رائعا بالنسبة لهم للبقاء فيه حتى هدوء الجو”، فكر الرجل في نفسه. “ان الحظيرة دافئة وآمنة. من المؤكد أن الاوزات يمكنها قضاء ليلة والانتظار حتى زوال العاصفة.

ذهب الرجل الى الحظيرة وفتح الأبواب على وسعها، ثم راقب ماذا يحدث، وانتظر قليلا على أمل أن الاوزات سوف تلاحظ الحظيرة المفتوحة وتدخل الى داخلها. لكن الاوز رفرفت باجنحتها بلا هدف ولا يبدو أن لاحظت الحظيرة أو انها تدرك ما قد تمثله بالنسبة لهم. عبثا حاول الرجل لفت انتباه الاوز، وعلى ما يبدو انه فقط عمل على اخافتها وابتعادها بعيدا.

دخل إلى البيت وخرج بعد لحظات ومعه بعض الخبز، وصار يفته الى فتات، ويضع فتات الخبز في مدخل الحظيرة. ولكن عبثا ما فعله.

الآن شعر انه محبط. وصل إلى الجانب الآخر من الحظيرة، وتطلع نحو الحظيرة وما تمثله للاوز من مكان دافئ وآمن، لكنها فقط خائفة وتحوم في كل اتجاه إلا نحو الحظيرة. لا شيء مما فعله قادها للذهاب الى الحظيرة.

“لماذا لا يتبعوني؟!” وقال الرجل. “ألا يمكن أن يروا ان هذا هو المكان الوحيد الذي يمكّنهم من البقاء على قيد الحياة والنجاة من العاصفة؟”

فكر لحظة، وأدرك أن الاوز لن يتبع انسان بل يتبع اوزة مثله. “لو كنت فقط أوزة، لتمكنت من إنقاذها” قال بصوت يجيش بالأسى.

ثم خطرت له فكرة. ذهب إلى الحظيرة واحضر أوزة من الاوزات التي يربيها، وحملها بين ذراعيه وسار في أنحاء فناء حول المنزل حتى يراها سرب الاوز البري مرة أخرى. ثم اطلقها لتطير. حلّقت الأوزة عاليا ولكنها ما لبثت ان عادت حالا الى الحظيرة ، وهكذا فعلت الاوزات البرية واحدة تلو الآخرى وهكذا جاء جميع الاوز إلى الحظيرة حيث الدفء والأمان.

core201_02

وقف الرجل صامتا للحظة وخطر له ما قاله منذ بضعة دقائق: “لو كنت فقط أوزة، لتمكنت من إنقاذ هذا الاوز!” ثم فكر في ما قاله لزوجته في وقت سابق. “لماذا وضع الله نفسه وأتي إلى الأرض كإنسان؟ هذا كلام سخيف! “فجأة ادرك المعنى. هذا ما فعله الله! كنا مثل الاوز الأعمى، تائهين، هالكين. ارسل الله ابنه وأصبح مثلنا حتى يمكن أن يرينا الطريق ويخلصنا. وكان هذا هو معنى عيد الميلاد.

بعد مدة توقفت الرياح العاصفة وتوقف هطول الثلج ، أصبحت روحه هادئة وفكر هذا الفكر الرائع. فجأة اصبح يدرك ماذا يمثل عيد الميلاد ، لماذا المسيح جاء. سنوات من الشك وعدم الايمان اختفت مثل عاصفة عابرة. سقط على ركبتيه في الثلج، وصلى أول صلاة له: “شكرا لك، يا رب، على مجيئك الى عالمنا في شكل انسان لإنقاذنا من العاصفة”.

شجرة عيد الميلاد

tree

استيقظ الصبي ذو الثمانية اعوام ذات صباح في الغرفة الرطبة في ثيابه الرثة المهلهلة شاعرا بالبرد الشديد، وجلس بجوار امه، التي رقدت على حصيرة عليها فراش محشو بالتبن، وقد وضعت تحت رأسها كيس اتخذته وسادة تسند رأسها عليها. ورأى ان انفاسه تتصاعد في هيئة بخارا، فاخذ يوالي النفخ متلهيا برؤية البخار يتصاعد، ليسلي نفسه ويبعد عنها الضجر. وكان يشتهى لو تسنى شيئا فيلطف ما به من جوع. وكثيرا ما كان يدنو من امه يريد ايقاظها ثم يعدل اشفاقا عليها اذ يراها متعبة.

وما من احد يعلم كيف وصلت هذه المرأة الى هذه الغرفة الرطبة. فقد تكون قدمت من مدينة اخرى، ففاجأها مرض طرحها في هذا المكان البائس.

ولما اعتصر الطفل الاحساس بالجوع دنا من امه مرات ليوقظها، ولكنه تردد ولم يفعل. واخيرا وقد اخذ الظلام يغمر الدنيا اذ ارخى الليل سدوله، مرر يده على وجه امه، فادهشه ان يجده باردا كجدار الغرفة، فقال في نفسه: ما اشد البرد هنا. ثم وضع يده على كتفها عن غير قصد فلم يتحرك. واحس ببرد شديد في يديه فجعل ينفخ فيهما ليدفئهما. ثم تناول طاقيته من على فراش امه، ومشى بخطى خفيفة صامتة يتلمس مخرجا وكان يود لو خرج قبل هذه الساعة المتأخرة، ولكنه خشى ان يصادفه على الدرج الكلب الضخم الذي كان يهر طول النهار على عتبات البيوت المجاورة. اما الان فقد توارى الكلب، لذا فقظ خرج الى الشارع.

مشى فوجد نفسه في مدينة كبيرة لم ترى عيناه مثلها من قبل. كان هناك في المدينة اناس وخيل وعربات . اه، من البرد وشعر بألم فجائي في اصابعه. ومر به شرطي عبر عنه كأنه لم يره.

هوذا شارع اخر، ما اوسعه. لا ريب انهم سيدوسونه فيه بحوافر خيولهم. وما اشد جلبة الناس ، يروحون، ويجيئون ويركضون، وما اسطع النور، واوضح الطريق.

وما هذا هناك؟ انه نافذة من زجاج كبيرة، وراءها غرفة فيها شجرة تصطدم بالسقف برؤوس اغصانها، صنوبر هي. شجرة الميلاد تضيئها الانوار، علقت فيها تحف واثمار مذهبة، ولعب، وافراس صغيرة. وفي الغرفة اولاد يتراقصون مرتدين ثيابا جميلة نظيفة. ثم انهم يتضاحكون، ويلعبون، ويأكلون ويشربون اشياء كثيرة. ها هي الحان الموسيقى تسمع من خلال الزجاج، فوقف الولد مأخوذا يستمع، ويبتسم، في حين كانت اصابع قدميه تؤلمه الالم الذي كان يوخز اصابع يديه من قليل.

ثم جعل يبكي، واسرع مبتعدا، ولم يكد يبعد حتى رأى من نافذة زجاج اخرى موائد نثرت عليها قطع الحلوى اصنافا. كانت اصابع يديه قد احمرت من الزمهرير، فهو لا يستطيع ان يطبقه ، ولا ان يحركها. شعر فيها بوجع شديد ، فبكى. وركض يجرى الى حيث لا يدري.

ثم توقف عند مكان رأى من زجاج نافذته غرفة فيها شجرة عليها قطع الحلوى حمراء وصفراء مرصعة باللوز، جلست اليها اربع سيدات يوزعن على كل من يدخل احداها. وكان الباب ينفتح في كل هنيهة امام احد الاشخاص. فدنا الولد بخطوات الذئب الجائع، وفتح الباب ودخل ، فارتفعت الصرخات عالية تريد ابعاد هذا الولد المتشرد، ودفعه البعض وردوه الى الوراء. ثم دنت منه سيدة ودست في يديه فلسا وفتحت له الباب فخرج، وقد نزل به خوف وذعر، وسقط الفلس من يده يرن على الارض.. اذ لم يستطع ان يطبق يده الصغيرة ليحفظه.

انطلق هائما على وجهه ، وهم بالبكاء، واعتراه خوف شديد فطفق يركض نافخا في يظيه، حزينا لشعوره بانه وحيد مهمل.

christmas

ورأى جمهورا واقفا ينظر بتطفل الى نافذة، فدنا منه، فشاهد وراء الزجاج لعبا كبيرة، لابسة حللا حمراء وخضراء، احداها في هيئة رجل عجوزا يجلس وهو يعزف بالة كأنها الكمنجة، وراى رجلين اخرين واقفين بالقرب منه يعزفان بكمنجتين صغيرتين، وكل منهما يهز رأسه هزة موقعة. وكانت شفاههم تتحرك فخيل اليه انهم يتكلمون والزجاج هو الذي يحول بينه وبين سماع ما يقولونه. ظن انهم احياء في البداية ثم ادرك انهم مجرد لعب. فضحك ملء فمه لأنه لم يرى لعبا مثلهم من قبل.

وخيل اليه انه يسمع امه ترتل له ترتيلة، فناداها : امى، اريد ان انام، ما اطيب النوم هنا.

فسمع همس صوت ملؤه العذوبة يقول له: تعال معي يا بنيّ نشاهد شجرة الميلاد. فظن ان امه هي التي نادته، ولم تكن اياها. فمن الذي دعاه اذن؟ ولم يكن يرى احدا، ولكنه شعر ان شخصا انحنى عليه وضمه في الظلام فبسط اليه ذراعيه. وفجأة رأى نورا باهرا، وشجرة ميلاد عجيبة، ولم تكن من الصنوبر، وانما هي شجرة لم يشاهد مثلها، فاين هو الان؟

كل شئ متلألئ يسطع نورا امامه، وحواليه لعب حية: اطفال يشعّون نورا ، ويحيطون به في دائرة مرفرفرين حواليه، يقبّلونه ويحملونه معه، فطار، وابصر امه، وابتسم لها ابتسامة طفل تغمر نفسه احاسيس السعادة والبهجة، وناداها: امي، امي، ما احسن المكان هنا. ناداها ثم اخذ يقبّل رفاقه الصغار، وود  لو قص عليهم قصة اللعب التي رآها منذ قليل. ثم سألهم مبتسما: من انتم ايها الاطفال؟ فاجابوه هذه شجرة عيد الميلاد. كل سنة في مثل هذا اليوم تقام شجرة للاولاد الذين ليس لديهم واحدة على الارض. وادرك ان هؤلاء كانوا اطفالا مثله، وانهم الآن في السماء.

كلهم هنا كالملائكة ، كلهم قرب المسيح، وهو يبسط يديه ليباركهم هم وامهاتهم..

هناك عند الصباح، وجد الناس جثة ولد صغير جمّدها الصقيع، وراء كومة من الحطب. فبحثوا عن امه، فوجدوا انها ماتت قبله بقليل. كلاهما تلاقيا قرب الله في السماء.