الفصل الثاني
المنظر الاول
حجرة في منزل بولونيوس
(يدخل بولونيوس ورينالدو)
بولونيوس: اعطه هذه النقود، وهذه الخطابات يا رينالدو.
رينالدو: سأفعل يا سيدي.
بولونيوس: ثم اريدك ان تتحرى عن مسلك ابني قبل ان تزوره. سأدلك كيف تفعل ذلك. اعطني اذنا مصغية.
رينالدو: نعم يا سيدي.
بولونيوس: متى عرفت ان بعضهم يعرفون ابني. تظاهر انك ايضا تعرفه من بعيد.
ثم تقول اني اعرف عنه انه عربيد مدمن على كيت وكيت ثم تنسب اليه ما تشاء من تهم على شرط الا تكون من القبح بحيث تمس شرفه.
رينالدو: مثل القمار يا سيدي؟
بولونيوس: نعم، وكذلك الشراب ومغازلة النساء.
رينالدو: لكن هذا ما يمس الشرف؟
بولونيوس: كلا، ولكن لا تصمه باكثر مما ذكرت! فتصفه بانه يرتكب الفحشاء. واذ تلصق بابني الهينات فلتكن واثقا ان الذي تتحدث اليه سيقل هو ايضا لقد رأيته بالامس يفعل هذا وهذا. وهكذا تستطيع بطعم من الكذب ان تصيد سمكة الحقيقة. اننا نسلك طريقا معوجة لنكتشف الطريق المستقيم. افهمت؟
رينالدو: اجل يا مولاي.
بولونيوس: الله معك. وداعا!
(يخرج رينالدو)
(تدخل اوفيليا)
بولونيوس: ماذا جرى؟
اني خائفة. خائفة جدا ي مولاي.
بولونيوس: لأي سبب؟
اوفيليا: كنت في حجرتي احيك ثوبا فدخل عليّ هملت عارى الرأس، وجهه شاحب تصطك ركبتاه. نظراته تنم عن الغم والشقاء وكأنه انطلق من الجحيم ليصف ما به من امور مرعبة.
بولونيوس: وماذا فعل؟
اوفيليا: امسك معصمي بقوة ثم ابتعد نحو طول ذراعه وجعل يهز رأسه ثلاث مرات ثم تنهد واطلق يدي وخرج وهو يحدق فيّ.
بولونيوس: تعال معي لابد ان نقابل الملك. ان هذا هو جنون الحب. ولكن قبلا، هل وجه اليك عبارات جارحة؟
اوفيليا: كلا، ولكني اعدت اليه خطاباته وطلبت اليه ان يكف عن مقابلتي.
المنظر الثاني
حجرة في القلعة: صوت البوق
(يدخل الملك والملكة)
ايها السيدان انكما صديقان لهملت. لقد الم به امر طارئ. نريد ان تبقيا في القصر لتعلما ماذا اصابه، ومن ثم امكن لنا علاجه.
اننا قد جعلنا انفسنا رهن تصرفك مولاي. وليجعل الله مجهوداتنا ذات نفع ويكلل تعبنا بالنجاح.
(يخرجان ويدخل بولونيوس)
بولونيوس: لقد رجع السفراء من النرويج فرحين.
انك دائم مصدر الانباء الطيبة
اني اؤكد لك يا مولاي انني كرست جهدي لخدمة مولاي كما كرست روحي من قبل لخدمة ربي.
ان جلالة الملك لخليق به ان يجعل رغباته في صورة الامر لا الرجاء.
***
سفراء ملك الدانمرك
فليتفضلوا
انهم يلتمسون من جلالتكم ان تمنحوا جيشه حق المرور بسلام في ارضكم.
يسرنا ان نستجيب له لكن بالشروط التي تضمن سلامة البلاد وامنها.
ان الاسراف يا مولاي في شرح معنى الواجب لا ينتج الا ضياعا للزمن ولهذا فان الايجاز هو روح الحكمة. لذا سأوجز في القول ما استطعت. ان ابنكم ذا الحسب والنسب مجنون، وهل للجنون تعريف سوى انه جنون؟ ولكن لندع الجنون وتعريفه جانبا. ويبقى امامنا البحث عن علته.
وهاكم ما كتب لابنتي. (يخرج ورقة ويقرأ)
“اي، اوفيليا العزيزة، ما اعجزني عن نظم الاشعار، اذ ليس لديّ من الفن ما يجعلني كفءا لذلك. اني احبك فوق كل حب، فثقي بقولي يا احسن الحسان… وداعا”
ولكن كيف كان قبولها لحبه؟
ولكن ماذا تعتقد افعل امام هذا الحب المتوقد المحلق بجناحيه؟ لقد اتخذت الاجراء اللازم، وتحدثت الى فتاني الصغيرة وقلت لها “ان هملت امير ومكانه اسمى من ان تقتربي منه. فبادري بالكف عن هذا”. واصدرت اليها تعليماتي ان تغلق ابوابها دون صحبته والا تتقبل رسلا من عنده او تتسلم رسائل او هدايا. فلم تلبث ابنتي ان عملت بنصائحي. اما هو فقد ألمّت به الكآبة ثم السهاد ثم اللوثة التي لم تلبث ان استحالت الى جنون.
هل تظنين ان هذا هو سبب جنونه؟
ربما كان كذلك. والامر قريب الاحتمال.
وهل مر بي زمن اكدت فيه امر ثم ظهر خلاف ما ذكرت؟
لست اذكر انك اخطأت.
انتزع هذا عن هذين (مشيرا الى رأسه وكتفيه) اذا كان الامر مخالفا لما ذكرت.
(يقترب هملت وهو يطالع كتابا)
ها قد اقترب هملت يا مولاي. فلتدعاني ابرهن صدق كلامي.
(يخرج الملكة والملكة ويرقبان الحوار)
بولونيوس: ماذا تقرأ يا مولاي؟
الفاظ، الفاظ، الفاظ.
بولونيوس: وما الموضوع؟
بذاءات. ان الكاتب يقول ان لحى طغى عليها المشيب ووجوها ملؤها الغضون وعيونا تفرزالكهرمان وانهم يجمعون بين قلة الفهم وضعف البدن. وان كنت مصدقا لما يقوله الا انه لا يجب ان يكتب على هذه الصورة.
بولونيوس: (لنفسه) لئن كان هذا جنونا الا انه يشتمل على كثير من الحكمة.
- هل لك يا مولاي ان تتمشى بعيدا عن الهواء.
هملت: الى قبري؟
بولونيوس: (لنفسه) حقا ان هذا بعيد عن الهواء
ما اكثر ما تشتمل ردوده على الدقة والحصافة! ولكن كثيرا ما يتاح هذا للمجانين.
بولونيوس: مولاي اني التمس منك بكل خضوع الاذن بالانصراف.
هملت: انك تلتمس شيئا ليس لي رغبة اشد من منحك اياها، اللهم الا حياتي.
وداعا ايها المولى.
(يخرج بولونيوس ويدخل كرذونوس وجيلدنيوس)
كيف حالكما؟
كحال عامة الارض.
سعداء ولكن ليس مفرطي السعادة، وعلى مقياس الحظ ليس مكاننا في القمة.
ماذا لديكما من الانباء؟
لا شئ سوى ان الدنيا اصبحت تسودها الامانة.
اذن لقد اقتربت الساعة.. سأوجه اليكما بعض الاسئلة الخاصة، ماذا اقترفتما من الاثم ايها الصديقان الكريمان حتى غضب عليكما الحظ فبعث بكما الى هذا السجن.
السجن يا مولاي؟
ان دانمركة سجن.
اذن فالدنيا كلها سجن.
سجن ضخم كبير.
نحن لا نرى هذا الرأي يا مولاي.
لا اخفيكم انني فقدت مرحي وابتهاجي في الايام الاخيرة وغدوت مكتئبا لا ارى في القصر الا اكداسا من الابخرة المتعفنة. ما اعب الانسان من كائن ما اشبهه في عمله بالملك. وما اشبهه بالالهة في ادراكه. اني لا اجد شيئا يسر.
اذن فلن تجد الا تسلية ضئيلة فيما ستعرضه فرقة التمثيل.
اي فرقة؟
فرقة مثلي المدينة.
اخبروني، الا يزالون يلقون نفس التقدير وهل تقبل عليهم الجماهير؟
كلا يا مولاي.
ولماذا حدث هذا؟ هل صدئ معدنهم؟
كلا. انهم ما برحوا يمارسون فنهم بنفس الاجتهاد. ولكن كتاب المسرحيات اساءوا اليهم، اذ تمتلئ مسرحياتهم بالسخافات.
اهذا ممكن؟
اجل. ولطالما احتدم الخصام بين الفريقين.
وهل يخرج الممثلون ظافرين من هذا الخصام؟
اجل هذا دأبهم. فهم يظفرون بهرقل وبحمولته ايضا[1].
ناولاني ذراعيكما، ان الترحيب يجب ان يون مصحوبا بمظاهر الحفاوة التقليدية. فدعاني اجعل ذراعي حول ذراعيكما.
ان عمي يظنني مجنون ولكني لست بمجنون الا اذا هبت الريح من شمال الشمال الغربي اما اذا هبت من الجنوب فاني قادر على ان اميّز بين الصقر والبلشون.
(بولونيوس يدخل)
بولونيوس: مولاي، لقد حضر الممثلون.
انباء قديمة.
اعظم الممثلين في العالم سواء في المأساة او المهزلة، وهم لا يجدون سنكا صعبا مهما ثقلت مآسيه و لا يهملون مهازل بلاوتس على خفتها.
ايا يفتاح يا ضي اسرائيل. اي كنز كان في حوزتك؟
اي كنز كان عنده يا مولاي؟
ابنة حسناء، ليس لديه سواها، وكان يحبها حبا شديدا.
(لنفسه) مازال يذكر ابنتي.
ألست على حق ايها الشيخ يفتاح.
لقد دعوتني يفتاح يا مولاي. فان لي ابنة احبها حبا شديدا.
ثم اراد الله، ولا راد لما اراد.
ثم وقف لحظة جامدا وكأن مثال لطاغية،
ولكن ما اكثر ما شهدنا العاصفة يسبقها سكون في السماء، فتقف السحب جامدة، والرياح راكدة.والارض من تحتنا ساكنة سكون الموتى. ثم يثور الرعد القاصف ويمزق الافاق كذلك بيروس لم يلبث بعد جموده لحظة ان استيقظ فيه روح الثأر ليستأنف القتال.
وهي تجري في كل صوب تحاول ان تطفئ النيران بدمع يعشي البصر.
وليس هناك الا خرقة بالية على ذلك الرأس الذي كان منذ قليل يحمل اجمل التيجان، واستبدلت بثيابها غطاء الفراش،
تلف به جسدها النحيل الواهن.
دعهم يلقون معاملة طيبة، فهم خلاصة الزمن والسجل لاحداثه، وان ينقش على قبرك شاهد قبيح خير من ان يذكروك بالشر وانت على قيد الحياة.
سأعاملهم بما هم جديرون به
كلا بل واحسن من هذا كثيرا. لانك ان عاملت كل انسان بما هو جدير به فمن ينجو من قرع السياط؟ عاملهم معاملة تتفق مع نبلك وكرمك.. وكلما نقصت جدارتهم كلما زادوا تقديرا لكرمك.
(يخرج بولونيوس مع الممثلين ما عدا الاول)
انصت ايها الاخ، هل تستطيع ان تمثّل مقتل جنزاجو؟
اجل يا مولاي.
اذا فلتمثله امامي غدا . وعند الضرورة اريدك ان تحفظ قطعة من بضع سطور اكتبها، اضمنها المسرحية، الا تستطيع ذلك؟
بلي يا مولاي.
(يخرج الممثل)
هاملت (لنفسه):
ماذا عساه هذا الممثل يفعل لو ابتلى بما ابتليت به
انه لجدير ان يغرق المسرح بالدموع
وان يشقي اذان الناس بالقائه الرهيب
ويجعل المجرم الاثم مجنونا والبرئ حانقا
ويدع الجاهل في حيرة من امره،
ويروّع حاستي السمع والنظر.
اما انا فما الا وغد خائر العزيمة، اتحرك كالحالم، لا استطيع ان افعل شيئا ثأرا لمقتل ملك عظيم
هلم اايها العقل ارسم خطة !
لقد سمعت ان مرتكبي الاثم اذا شهدوا مسرحية تأثروا ببراعة المشهد تأثرا يبلغ من انفسهم فلا يلبثون ان يعلنوا جرمهم على الملأ، فان القتل وان لم يكن له لسان، كثيرا ما ينطق ويتحدث عن نفسه. سأجعل هؤلاء الممثلين يمثلّون مسرحية، تحاكي مقتل ابي، ويشهدها عمي، وسأراقب ملامح وجهه فلربما كان الشبح الذي رأيته
[1] اشارة الى تمثال هرقل يحمل الكرة الارضية.