هاملت #4

الفصل الثاني

المنظر الاول

حجرة في منزل بولونيوس

(يدخل بولونيوس ورينالدو)

بولونيوس: اعطه هذه النقود، وهذه الخطابات يا رينالدو.

رينالدو: سأفعل يا سيدي.

بولونيوس: ثم اريدك ان تتحرى عن مسلك ابني قبل ان تزوره. سأدلك كيف تفعل ذلك. اعطني اذنا مصغية.

رينالدو: نعم يا سيدي.

بولونيوس: متى عرفت ان بعضهم يعرفون ابني. تظاهر انك ايضا تعرفه من بعيد.

ثم تقول اني اعرف عنه انه عربيد مدمن على كيت وكيت ثم تنسب اليه ما تشاء من تهم على شرط الا تكون من القبح بحيث تمس شرفه.

رينالدو: مثل القمار يا سيدي؟

بولونيوس: نعم، وكذلك الشراب ومغازلة النساء.

رينالدو: لكن هذا ما يمس الشرف؟

بولونيوس: كلا، ولكن لا تصمه باكثر مما ذكرت! فتصفه بانه يرتكب الفحشاء. واذ تلصق بابني الهينات فلتكن واثقا ان الذي تتحدث اليه سيقل هو ايضا لقد رأيته بالامس يفعل هذا وهذا. وهكذا تستطيع بطعم من الكذب ان تصيد سمكة الحقيقة. اننا نسلك طريقا معوجة لنكتشف الطريق المستقيم. افهمت؟

رينالدو: اجل يا مولاي.

بولونيوس: الله معك. وداعا!

(يخرج رينالدو)

(تدخل اوفيليا)

بولونيوس: ماذا جرى؟

اني خائفة. خائفة جدا ي مولاي.

بولونيوس: لأي سبب؟

اوفيليا: كنت في حجرتي احيك ثوبا فدخل عليّ هملت عارى الرأس، وجهه شاحب تصطك ركبتاه. نظراته تنم عن الغم والشقاء وكأنه انطلق من الجحيم ليصف ما به من امور مرعبة.

بولونيوس: وماذا فعل؟

اوفيليا: امسك معصمي بقوة ثم ابتعد نحو طول ذراعه وجعل يهز رأسه ثلاث مرات ثم تنهد واطلق يدي وخرج وهو يحدق فيّ.

بولونيوس: تعال معي لابد ان نقابل الملك. ان هذا هو جنون الحب. ولكن قبلا، هل وجه اليك عبارات جارحة؟

اوفيليا: كلا، ولكني اعدت اليه خطاباته وطلبت اليه ان يكف عن مقابلتي.

المنظر الثاني

حجرة في القلعة: صوت البوق

(يدخل الملك والملكة)

ايها السيدان انكما صديقان لهملت. لقد الم به امر طارئ. نريد ان تبقيا في القصر لتعلما ماذا اصابه، ومن ثم امكن لنا علاجه.

اننا قد جعلنا انفسنا رهن تصرفك مولاي. وليجعل الله مجهوداتنا ذات نفع ويكلل تعبنا بالنجاح.

(يخرجان ويدخل بولونيوس)

بولونيوس: لقد رجع السفراء من النرويج فرحين.

انك دائم مصدر الانباء الطيبة

اني اؤكد لك يا مولاي انني كرست جهدي لخدمة مولاي كما كرست روحي من قبل لخدمة ربي.

ان جلالة الملك لخليق به ان يجعل رغباته في صورة الامر لا الرجاء.

***

سفراء ملك الدانمرك

فليتفضلوا

انهم يلتمسون من جلالتكم ان تمنحوا جيشه حق المرور بسلام في ارضكم.

يسرنا ان نستجيب له لكن بالشروط التي تضمن سلامة البلاد وامنها.

ان الاسراف يا مولاي في شرح معنى الواجب لا ينتج الا ضياعا للزمن ولهذا فان الايجاز هو روح الحكمة. لذا سأوجز في القول ما استطعت. ان ابنكم ذا الحسب والنسب مجنون، وهل للجنون تعريف سوى انه جنون؟ ولكن لندع الجنون وتعريفه جانبا. ويبقى امامنا البحث عن علته.

وهاكم ما كتب لابنتي. (يخرج ورقة ويقرأ)

“اي، اوفيليا العزيزة، ما اعجزني عن نظم الاشعار، اذ ليس لديّ من الفن ما يجعلني كفءا لذلك. اني احبك فوق كل حب، فثقي بقولي يا احسن الحسان… وداعا”

ولكن كيف كان قبولها لحبه؟

ولكن ماذا تعتقد افعل امام هذا الحب المتوقد المحلق بجناحيه؟ لقد اتخذت الاجراء اللازم، وتحدثت الى فتاني الصغيرة وقلت لها “ان هملت امير ومكانه اسمى من ان تقتربي منه. فبادري بالكف عن هذا”. واصدرت اليها تعليماتي ان تغلق ابوابها دون صحبته والا تتقبل رسلا من عنده او تتسلم رسائل او هدايا. فلم تلبث ابنتي ان عملت بنصائحي. اما هو فقد ألمّت به الكآبة ثم السهاد ثم اللوثة التي لم تلبث ان استحالت الى جنون.

هل تظنين ان هذا هو سبب جنونه؟

ربما كان كذلك. والامر قريب الاحتمال.

وهل مر بي زمن اكدت فيه امر ثم ظهر خلاف ما ذكرت؟

لست اذكر انك اخطأت.

انتزع هذا عن هذين (مشيرا الى رأسه وكتفيه) اذا كان الامر مخالفا لما ذكرت.

(يقترب هملت وهو يطالع كتابا)

ها قد اقترب هملت يا مولاي. فلتدعاني ابرهن صدق كلامي.

(يخرج الملكة والملكة ويرقبان الحوار)

بولونيوس: ماذا تقرأ يا مولاي؟

الفاظ، الفاظ، الفاظ.

بولونيوس: وما الموضوع؟

بذاءات. ان الكاتب يقول ان لحى طغى عليها المشيب ووجوها ملؤها الغضون وعيونا تفرزالكهرمان وانهم يجمعون بين قلة الفهم وضعف البدن. وان كنت مصدقا لما يقوله الا انه لا يجب ان يكتب على هذه الصورة.

بولونيوس: (لنفسه) لئن كان هذا جنونا الا انه يشتمل على كثير من الحكمة.

  • هل لك يا مولاي ان تتمشى بعيدا عن الهواء.

هملت: الى قبري؟

بولونيوس: (لنفسه) حقا ان هذا بعيد عن الهواء

ما اكثر ما تشتمل ردوده على الدقة والحصافة! ولكن كثيرا ما يتاح هذا للمجانين.

بولونيوس: مولاي اني التمس منك بكل خضوع الاذن بالانصراف.

هملت: انك تلتمس شيئا ليس لي رغبة اشد من منحك اياها، اللهم الا حياتي.

وداعا ايها المولى.

(يخرج بولونيوس ويدخل كرذونوس وجيلدنيوس)

كيف حالكما؟

كحال عامة الارض.

سعداء ولكن ليس مفرطي السعادة، وعلى مقياس الحظ ليس مكاننا في القمة.

ماذا لديكما من الانباء؟

لا شئ سوى ان الدنيا اصبحت تسودها الامانة.

اذن لقد اقتربت الساعة.. سأوجه اليكما بعض الاسئلة الخاصة، ماذا اقترفتما من الاثم ايها الصديقان الكريمان حتى غضب عليكما الحظ فبعث بكما الى هذا السجن.

السجن يا مولاي؟

ان دانمركة سجن.

اذن فالدنيا كلها سجن.

سجن ضخم كبير.

نحن لا نرى هذا الرأي يا مولاي.

لا اخفيكم انني فقدت مرحي وابتهاجي في الايام الاخيرة وغدوت مكتئبا لا ارى في القصر الا اكداسا من الابخرة المتعفنة. ما اعب الانسان من كائن ما اشبهه في عمله بالملك. وما اشبهه بالالهة في ادراكه. اني لا اجد شيئا يسر.

اذن فلن تجد الا تسلية ضئيلة فيما ستعرضه فرقة التمثيل.

اي فرقة؟

فرقة مثلي المدينة.

اخبروني، الا يزالون يلقون نفس التقدير وهل تقبل عليهم الجماهير؟

كلا يا مولاي.

ولماذا حدث هذا؟ هل صدئ معدنهم؟

كلا. انهم ما برحوا يمارسون فنهم بنفس الاجتهاد. ولكن كتاب المسرحيات اساءوا اليهم، اذ تمتلئ مسرحياتهم بالسخافات.

اهذا ممكن؟

اجل. ولطالما احتدم الخصام بين الفريقين.

وهل يخرج الممثلون ظافرين من هذا الخصام؟

اجل هذا دأبهم. فهم يظفرون بهرقل وبحمولته ايضا[1].

ناولاني ذراعيكما، ان الترحيب يجب ان يون مصحوبا بمظاهر الحفاوة التقليدية. فدعاني اجعل ذراعي حول ذراعيكما.

ان عمي يظنني مجنون ولكني لست بمجنون الا اذا هبت الريح من شمال الشمال الغربي اما اذا هبت من الجنوب فاني قادر على ان اميّز بين الصقر والبلشون.

(بولونيوس يدخل)

بولونيوس: مولاي، لقد حضر الممثلون.

انباء قديمة.

اعظم الممثلين في العالم سواء في المأساة او المهزلة، وهم لا يجدون سنكا صعبا مهما ثقلت مآسيه و لا يهملون مهازل بلاوتس على خفتها.

ايا يفتاح يا ضي اسرائيل. اي كنز كان في حوزتك؟

اي كنز كان عنده يا مولاي؟

ابنة حسناء، ليس لديه سواها، وكان يحبها حبا شديدا.

(لنفسه) مازال يذكر ابنتي.

ألست على حق ايها الشيخ يفتاح.

لقد دعوتني يفتاح يا مولاي. فان لي ابنة احبها حبا شديدا.

ثم اراد الله، ولا راد لما اراد.

ثم وقف لحظة جامدا وكأن مثال لطاغية،

ولكن ما اكثر ما شهدنا العاصفة يسبقها سكون في السماء، فتقف السحب جامدة، والرياح راكدة.والارض من تحتنا ساكنة سكون الموتى. ثم يثور الرعد القاصف ويمزق الافاق كذلك بيروس لم يلبث بعد جموده لحظة ان استيقظ فيه روح الثأر ليستأنف القتال.

وهي تجري في كل صوب تحاول ان تطفئ النيران بدمع يعشي البصر.

وليس هناك الا خرقة بالية على ذلك الرأس الذي كان منذ قليل يحمل اجمل التيجان، واستبدلت بثيابها غطاء الفراش،

تلف به جسدها النحيل الواهن.

دعهم يلقون معاملة طيبة، فهم خلاصة الزمن والسجل لاحداثه، وان ينقش على قبرك شاهد قبيح خير من ان يذكروك بالشر وانت على قيد الحياة.

سأعاملهم بما هم جديرون به

كلا بل واحسن من هذا كثيرا. لانك ان عاملت كل انسان بما هو جدير به فمن ينجو من قرع السياط؟ عاملهم معاملة تتفق مع نبلك وكرمك.. وكلما نقصت جدارتهم كلما زادوا تقديرا لكرمك.

(يخرج بولونيوس مع الممثلين ما عدا الاول)

انصت ايها الاخ، هل تستطيع ان تمثّل مقتل جنزاجو؟

اجل يا مولاي.

اذا فلتمثله امامي غدا . وعند الضرورة اريدك ان تحفظ قطعة من بضع سطور اكتبها، اضمنها المسرحية، الا تستطيع ذلك؟

بلي يا مولاي.

(يخرج الممثل)

هاملت (لنفسه):

ماذا عساه هذا الممثل يفعل لو ابتلى بما ابتليت به

انه لجدير ان يغرق المسرح بالدموع

وان يشقي اذان الناس بالقائه الرهيب

ويجعل المجرم الاثم مجنونا والبرئ حانقا

ويدع الجاهل في حيرة من امره،

ويروّع حاستي السمع والنظر.

اما انا فما الا وغد خائر العزيمة، اتحرك كالحالم، لا استطيع ان افعل شيئا ثأرا لمقتل ملك عظيم

هلم اايها العقل ارسم خطة !

لقد سمعت ان مرتكبي الاثم اذا شهدوا مسرحية تأثروا ببراعة المشهد تأثرا يبلغ من انفسهم فلا يلبثون ان يعلنوا جرمهم على الملأ، فان القتل وان لم يكن له لسان، كثيرا ما ينطق ويتحدث عن نفسه. سأجعل هؤلاء الممثلين يمثلّون مسرحية، تحاكي مقتل ابي، ويشهدها عمي، وسأراقب ملامح وجهه فلربما كان الشبح الذي رأيته

[1] اشارة الى تمثال هرقل يحمل الكرة الارضية.

هاملت #3

المنظر الثالث
حجرة في منزل بولونيوس
(يدخل لايرتس واوفيليا)
لايرتس: انا ماض. لقد حملت امتعتي الى السفينة فوداعا! واستحلفك يا اختاه الا تغفلي عن الكتابة.
اوفيليا: وهل تشك في ذلك؟
لايرتس: اما هاملت وما حدث منه فاعتبري ذلك خطأ عارضا. نزوة من نزوات الشباب. زهرة من البنفسج تنبت في اوائل الربيع فهي يانعة لكنها زائلة. عطرة لكن ليس لها بقاء. اريجها وازدهارها لدقيقة واحدة لا اكثر.
اوفيليا: ليس اكثر من ذلك؟
لايرتس: لو تعبيريه اكثر من ذلك، فان النمو الذي يحدث للجسد لا يحدث فقط للعضلات بل تنمو معه ملكات العقل والروح.
اوفيليا: ماذا تقصد يا اخي؟
لايرتس: من الجائز ان هامليت يضمر لك الان الحب لكن عليك ان تحذري. انه لا في علو مكانه لا يملك ارادته. انه هو نفسه عبد لما يمليه عليه الواجب. انه لا يستطيع ان يختار وفق هواه كما يفعل عامة الناس. فعلى اختياره تتوقف سلامة الدولة ورخاءها. لذلك اختياره مقيد بما تمليه عليه تقاليد الدولة. دولة مكانه فيها مكان الرأس من الجسم. ارجوك يا اختاه ألا تسرفي في تصديق ما تسمعين من اناشيد غرامه. لا تسلمي قيادك للحب يذهب بك كل مذهب. لأن الفضيلة نفسها لا تسلم من السنة السوء، وكما ان الافات كثيرا ما تصيب النبات الغض في مطلع الربيع قبل ان تزهر اغصانه وتتفتح براعمه كذلك تهاجم الافات الضارة الشباب في فجر الحياة وريعانها. احترسي اذن فان السلامة في الحذر.
اوفيليا: سأعي هذا الدرس الطيب يا اخي وسألتزم مضمونه واجعله الرقيب على فؤادي. وانت يا اخي فلتأخذ حذرك في دار غربتك ولا تكن مثل البعض الذين يرونك الطريق الوعر الى الحياة الحقة ثم يسلكون سلوك المستهتر المغرور ويمشون في طريق العبث المهلك المفروش بالورود والرياحين.
لايرتس: لا تخش على يا اختاه.
++
هملت: لقد حان الوقت الذي اعتادت فيه الروح ان تطوف.
هوراشيو: ما هذه الاصوات؟
هملت: انها اصوات ابواق ومدافع. الملك الليلة في حفلة ساهرة، سكر وعربدة ورقص خليع. ان عادة السكر والعربدة اكسبتنا العار بين الشعوب. فاساءت تلك العادة الى سمعتنا ونالت من امجادنا. وكذلك ما تكون الحال كذلك عند الافراد الذين تعودوا عادة سيئة غلب شرها على دماثة اخلاقهم ولا تلبث فضائلهم ان ينال منها هذا التشويه بحيث تغدو الحسنات عيوبا ونقائص. ان القليل من الشر كثيرا ما يقضي على خير جزيل.
هوراشيو: انظر يا مولاي! لقد جاء!
هملت: ايتها الملائكة، يا رسل الرحمة، احرسينا! ان كنت روحا كريما او شيطانا رجيما. ان كنت تحمل معك نسمات من الجنة او لهيبا لافحا من الجحيم. ان كانت نيتك منطوي على الشر او الخير. فانك اتيت بصورة تبعث على التساؤل ولابد ان اتحدث اليك. فلا تدع الجهل يبدد كياني. خبرني كيف مزقت عظامك اكفانها؟ لماذا فغر القبر فكيه الضخمين المصنوعين من المرمر لكي يقذف بك الى الخارج؟ لقد رأيناك تدفن في تؤدة وسكون طبقا للمراسم الدينية، فمن المفترض ان تستريح روحك فلم تخرج روحك هائمة الان؟ وما معنى قيامك وانت مدجج بالسلاح هكذا؟ هل لتملأ الليل رعبا وتثير فينا اوهاما لا تطيقها انفسنا؟ قل لنا، لم هذا؟ وما الذي ترمي اليه؟
مرسيليو: انه يشير اليك بيده وكأنه يريد ان تذهب معه ليسر اليك بحديث خاص.
هوراشيو: لا تذهب معه يا سيدي.
هملت: وما الذي اخشاه. ان حياتي لا تساوي شيئا في نظري. اما روحي فماذا عساه يفعل بها.
مرسيليو: ماذا لو استدرجك الى رأس الصخرة المخيف المشرف على البحر. ان المرء يصاب بالجزع حين يشرف على البحر من ذلك الارتفاع الشاهق. لعله هناك يستحيل الى منظر مخيف فيفقدك نعمة العقل ويدفع بك الى الجنون.
هملت: ان القدر يناديني ويجعل كل شريان من جسدي قويا وكأنه عضلات اسد قوي.
الشبح: اني انا روح ابيك. ولولا انه محرم عليّ ان ابوح باسراري لرويت لك قصة يكفي اقل لفظة فيها ان تعذب روحك عذابا أليما، ويجمد لها الدم في عروقك الفتية. ولكن هذا السر الابدي لا يمكن ان يباح به لآذان من لحم ودم. انصت اليّ اذا. اذا كنت تحب والدك العزيز..
هملت: يا الهي!
الشبح: فاثأر اذا لمقتلي!
هملت: مقتلك؟
الشبح : نعم. وان هذا القتل لاعظم بشاعة من كل قتل.
هملت: اسرع واخبرني فاطير للانتقام.
الشبح: لقد تسلل اليّ عمك وانا راقد في البستان واعطاني كأسا من عصير السوكران فسلبني الحياة. فلا تسكت عن هذا. ولكن ايا كانت السبل التي تسلكها للقصاص، فلا تؤذي امك، اترك عقابها للسماء، ولتلك الاشواك الكامنة في صدرها، فحسبها ما تلقاه من وخزها. والان فلاودعك فورا فقد اقترب الفجر.
الشبح: الوداع، الوداع، واذكرني يا هملت!
***

هاملت #2

هملت (يخاطب نفسه): ليت هذا الجسد يذوب حتى يستحيل ندى، وليت الله لم يقض قضاءه الصارم بتحريم قتل المرء لنفسه. رحماك اللهم. لأشد ما تبدو تقاليد العالم بالية! ما احقر الدنيا! فما هي الا حديقة لم تستأصل حشائشها الضارة فنمت وانتشرت حتى ملأت جنباتها. ايها الضعف البشري انك خليق ان تسمى امرأة. بعد شهر وقبل ان يبلى النعلان اللذان سارت بهما وراء نعش ابي المسكين وهي تسكب الدمع مدرارا. ان الحيوان الذي يعوزه العقل والتفكير يكون حداده اطول- تزوجت عمي قبل ان تشفى محاجرها من الدمع الكاذب الذي ذرفته. ان هذا الشر لا يمكن ان يؤدي الى خير.
(يدخل هوراشيو وبرناردو ومرسيليوس)
هوراشيو: حييت ايها المولى.
هملت: اهذا هوراشيو ام تخدعني الذاكرة؟
هوراشيو: بل هو عينه خادمك المطيع دائما!
هملت: بل انت صديقي الكريم وحبذا لو تبادلنا هذا اللقب.
هوراشيو: حضرت يا مولاي لاشهد جنازة ابيك.
هملت: استحلفك بالله يا زميلي في الدراسة ألا تسخر مني. انك ما جئت الا لتشهد زواج امي.
هوراشيو: حقا يا مولاي. لقد تلاه مباشرة.
هملت: ذلك لاجل الاقتصاد يا هوراشيو، فان اللحوم التي شويت لاجل المناحة قدمت باردة على موائد العرس. آه يا ابي.. لكأني ارى ابي الآن!
هوراشيو: اين يا مولاي؟
هملت: رأيته في مخيلتي.
هوراشيو: اني رأيت والدك امس يا مولاي.
هملت: والدي الملك؟
هوراشيو: اجعل دهشتك ممزوجة بالانتباه اليّ وسأقص عليك ما جرى بالامس وهذان السيدان شاهدان عليّ.
هملت: اسمعني بربك.
هوراشيو: كانا هذان السيدان يؤديان مهمة الرقابة حتى حدث ذلك اللقاء الرهيب وسط الليل البهيم بشبح يشبه اباك. فذابا كلا منهما وجلا حتى صار كالعجين وعقد الرعب لسانهما فلم ينبسا بكلمة. كان ذلك لليلتان، ثم قصا عليّ ذلك فصاحبتهما في الليلة الثالثة واذا بالشبح يعود للظهور. اني اعرف اباك وليست يدايّ هاتان اكثر تشابها من الشبح بابيك.
هملت: كيف بدا؟
هوراشيو: كان مدججا بالسلاح من رأسه حتى اخمص قدميه.
هملت: هل كان يبدو عابسا؟
هوراشيو: كان منظره ادنى الى الحزن منه الى الغضب.
هملت: اكان شاحبا ام ثائر احمر الوجه؟
هوراشيو: كان شديد الشحوب.
هملت: اكان يحدق فيكما
هوراشيو: اشد التحديق.
هملت: وددت لو كنت حاضرا. سأتولى الرقابة الليلة لعله يظهر ثانية.
هوراشيو: اؤكد انه سيفعل.
هملت: لو بدى هذا الشبح لاكلمنه ولو فغرت جهنم فاها وامرتني بالصمت. لكن عليكما بالكتمان وان تتناولا الامر باذهانكما لا بالسنتكما.
هوراشيو: كلنا طوع امرك يا مولاي.
هملت: ابادلكم المحبة والود.
(يخرج الثلاثة)
هملت (لنفسه): روح ابي مدججا بالسلاح. هذا لا ينذر بخير. اهدئي يا نفسي حت يحين الليل فلابد لكل امر مكتوم ان يظهر ويتكشف للعيون وان اطبقت الارض عليه فاها.

هاملت #1

الملك: ما برحت ذكرى اخي ماثلة في خاطرنا، ولكني انظر الى مطلع الفجر يرتدي كساءه الاحمر وهو يطل من فوق الندي المتساقط على هذا التل القريب. فعلنا ذلك بفرحة تشوبها الاحزان وبعينين احدهما ضاحكة والاخرى باكية. فكان السرور وسط المأتم. والاسى يغشي العرس. وقد تساوى الفرح والكدر في كفتي الميزان.
انتقل الان الى ما تعرفونه من امر الفتى بولونيوس (ولي عهد مملكة سويسرا) فقد صور له الوهم ان بنا ضعفا او عجزا. او ان دولتنا اعتراها الاضطراب والارتباك. ولا اخوّلكما اية سلطة شخصية اخرى للمفاوضة مع الملك فوق ما تسمح به النصوص الواضحة في هذا الخطاب. وليكن اسراعكما دليل اخلاصكما للواجب.
وداعا.
ان الفم ليس في حاجة لليد اشد من حاجة عرش الامبراورية واعتمادها عليك.
ما الذي تبغيه؟
مولاي. ابغي عطفك واذنك بأن اعود الى بلدتي.
اني اضطررت اخيرا الى الموافقة بعد طول رجاءك والحاحك.
ولتذكر انك انتزعت مني الموافقة بمشقة بعد طول تمنع.
شكرا يا مولاي.
لتنعم بساعات عمرك ولتنفق اوقاتك كلها فيما يوحي لك ضميرك.
ما بال الشحوب يغشي وجهك؟
كلا يا مولاي بل تغمرني الشمس بأكثر مما اطيق.
الملك: انزع عنك ثياب الحداد ولا تلبث الى الابد مطرقا بعينيك. تفكر في والدك الراحل. وانت تعلم انه من المحتوم ان كل حي مصيره الموت ولابد ان تسلمه الحياة الدنيا الى الحياة الابدية.
هملت: لا ملابس الحداد السوداء ولا التنهدات المتصاعدة ولا الزفرات المتلاحقة ولا العبرات المنهمرة من العين ولا الحزن الممض الذي يعلو المحيا، ليس كل هذه تستطيع ان تصف حالي وصفا صادقا. لديّ في اعماق نفسي شئ تعجز المظاهر عن محاكاته.
الملك: ان مشاعر الحداد التي تظهرها بغير ارادتك تنم عن روح كريمة ولكنك تعلم في غير شك ان اباك فقد اباه وذلك الاب فقد والده ايضا ولابد للخلف ان يقيم مراسم الحداد فترة من الزمن بيد ان الاصرار على الحزن والامعان فيه امر ينطوي على عدم الايمان والتسليم بقضاء الله. انه حزن يكشف عن ارادة عاصية لاحكام السماء وقلب غير عامر بالايمان و فهم ساذج لم يثقف. وان هذا المسلك لاثم في حق السماء وفي حق الموتى. اريدك ان تبقى معنا.
هملت: سأفعل ما بوسعي لاطاعتك يا مولاي.
الملك: هذا رد ينطوي على المحبة والاخلاص.
الملك (للملكة): ان هذا القبول الرقيق الذي ابداه هاملت عن رضا ليملأ قلبي فرحا. وحرى بنا ان نتناول نخب الفرح بينما تنطلق الالعاب النارية حتى تبلغ السحاب فتردد السماء صدى احتفالنا البهيج.