يوميات وحيد 20

صوت الرب يطفئ لهيب النار:

اشعل وحيد اليوم حقلا لانه كان ينقيه من الحشائش. وللوهلة الاولى دخله خوف عظيم، اذ تخيل انه سيصير حرائق الغابات، وكان اول رد فعل، انه حاول لن يطفئ النار. لكن من يستطيع السيطرة على النار، لقد قال عنها الكتاب “هوذا نار قليلة اي وقود تحرق، وتضرم من جهنم”. دس يده في جيبه، لم يأخذ هاتفه معه، بكت نفسه شديدا، كيف لي ان ارتكب هذا الخطأ الفادح، اقدم على اشعال نار ولا اخذ هاتفي. وتذكر كلمات ابونا (الغلطة بفورة) اي اقل خطأ له عواقب تتعداه الى اربعة مراحل او اكثر. هرول الى صومعة ضاحب الكرم، ” ماذا افعل لو احترقت انت؟”. كان كل تفكير الرئيس، ليس في الخسارة المادية الفادحة بل في سلامة عمال المزرعة اي في خسارة نفس بشرية.

سأل صاحب الكرم في صوت يختلط فيه الهدوء والحدة: كم شجرة احرقت؟ا

اراد ان يقول ١٠ وهو العدد تماما، ولكنه اجاب سريعا: ١٥ شجرة؟

فعل ذلك لئلا يستهين بالنار وما تصنعه، فالكون يمكن لن يضرم بخطية او زلة اللسان كما يعلمنا الوحي.

حين وصل الى مكان النار تعجب ان صلحب الكرم وصل ايضا في نفس الوقت. كان صاحب الكرم متعجبا ان النار انطفأت فسال:

كيف انطفأت؟

اجاب: حالما اخبرتك بالامر، انطفأت من ذاتها. بصلاتك! قال الكلمة الاخيرة هامسا.

في الخال وتحت الشجرة التي ارتمى عندها متهالكا، اندلعت النار مرة اخرى.

ربما كان السبب ان الاب المسؤل خالجه الكبرياء.

ارتكان .. وهروب:

في رواية (الحب المحرر) لفرانسين ريفرز، تساءلت : لماذا هربت شولميث من مايكل هوشع رغم انه يحبها؟ ولماذا يهرب اللنسان من الله، رغم ان الله اعلن حبه له؟
للاجابة، كان لي هذا الاختبار. انا احب المكان الذي اعمل به الان، وكنت احب المكان السابق ايضا، ولكن جاء وقت وتركته وقررت الا اعود البه مدى الحياة، لماذا؟ لا اعرف، ربما كان قرارا مندفعا؟ ربما كان الملل؟ ربما الرغبة في التجديد وحسب!
انجيل في الرواية هربت من هوشع وهجرته، وانا تركت عملي الذي احبه.
بمرور الايام نسيت او تناسيت القرار بترك العمل. وبعد حديثي مع مرشد تنمية بشرية ، واذ شعرت بخجل خففت من حدة القرار بأن يكون ترك العمل لعام واحد.
اليوم اخبرته انني سوف اعود لعملي السابق وترك العمل الحالي، وفي نيتي ان يكون ذلك بعد ٣ شهور- سوف اعود متغصبا- وذلك خجلا منه ايضا.

انا على المحك، اشعر ان وجودي في المكان الحالي، له فائدة وضرر ايضا. اشعر ان من حولي يحبوني ومستعدون لبذل انفسهم للجلي، وفي ذات الوقت انهم لا يريدون بقائي. اشعر انهم قديسون وشياطين في ان واحد، اناس رذيلون وغاية الرقة،
اشعر ان قرارات العمل تشبه قرارات خوض الحروب، وكنت استغرب مقولة من قبل سمعتها، ان قرار الزواج على مستوى الافراد يشبه قرار خوض الحروب على مستوى السعوب. ضحكت وقلت هامسا لنفسي، احلى حرب. فما بين كلمتى الحب والحرب حرف واحد هو الراء. ولكن الفرق بينهما شاسع. لا اجد مبررا للخروب والخصومات الا البغضاء وهي عكس الحب تماما..

الاخر . وانا:
وضع رئيس العمال امام صاحب المزرعة الحصادة وقال،
انظر، لا تعمل بشكل صحيح.
اصلحها
بالفعل، تحتاج صيانة!
كم يكلفنا؟
ليس الكثير.
كان ينصت وحيد مترقبا، خالجه، روح الحماسة:
انا اقوم بذلك، سوف اذهب بها بسيارتي الى اقرب ورشة صيانة لاصلاحها.
كان ٣ عمال متحلقين حول الالة المعطلة ايضا واحدهم تطوع ان يفعل هو الامر.
وخف فورة حماسة وحيد بعد ان تطوع احدهم الى ان يحملها في غربة المزرعة وليس سيارته الخاصة.
ثم بعد قليل، زال الحماس تماما بانه ليس تخصصه.
فبالامس دفع الضعف في اصلاح شئ تافه.
تأجل الامر الى اليوم التالي، وعاوده تذكار قول المتطوع ، اذ تطوع هو ان يقوم بتزييتها لعلها تعمل بشكل صحيح، ثم تراجع عن قرارها ان يذهب بها الى متخصص. اما وحيد فقد تأرجح تفكيره بان يقزم هو بتزييتها او ان يشتري اخرى جديدة. فمن سيقوم باستخدامخطها يريد زراعة حبوب الخردل وهي اصغر جميع البذور وتختاج الى دقة معينة.

عامل امن:
اليوم اراد ان  يعمل موظفا في الامن. واختفت علبة دواء.
ونسى انه مسؤل عن الامن وان تحت يده نظام كامل للمراقبة بكاميرات.

نسى قراره بالعودة الى مدينته حتى يكون فرص اكبر للعمل .
فهو سيفتح مشروعه الخاص. وتناسى ان العمل بمنظومة شركة، وبروح التفكير الجماعي افضل من الفردية. كلمة كنيسة تعني جماعة وليتورجيا تعني عمل جمعي.

اليوم وصلت الى المزرعة بعد قضاء مصاحة في الخارج. فقد الهاتف الشحن. جلست على البوابة المغلقة. وخالجني هذا التفكير: الوحش له رقم ٦٦٦ . لماذا يسجل الوحش هذا؟

لقد وصل الامر الى عدم استطاعة اصرف مالا من ماكينة صرف العملة الا عن طريق اشارة هاتفي الخاص وانا واقف بجوار الماكينة، الهاتف يحمل رقم. ويمكن ان اهلك جوعا ، اذا لم استطع صرف المال. واليوم لا استطيع الدخول الى المبيت الا بالاتصال بالبواب وهو ايضا رقم، لا استطيع تذكره، فاتصل من هاتف اي عابر. ما العمل؟ قررت ان اترك علامة على الباب، وفي ذات الوقت ام اذهب الى اقرب مزرعة بالجوار لاعيد شحن الهاتف والاتصال برقم البواب الذبدي لا اتذكره. هل ضد المسيح، والوحش هو الهاتف؟

يوميات وحيد 19

باورمان
توقفت السيارة انام بوابة حديدية ضخمة. خرج رجل اسمر البشرة ذو ملامح سودانية بعد ان نادى فرد الامن بالمكتب.
سأله وحيد: هذا الشخص الذي معي، وجدته في طريقي، وهو بسأل عن شركة الوادي للدواجن.
اجاب بلهجة احترام كبير:
انت الان متواجد فيها يا فندم.
واردف في جزع:
ولكن كيف دخلت هنا بالسيارة؟
و حدق بتعجب فيه، ثم نظر الى بوابة حديدية صخمة مطلية طلاءا اسود، و قال بلهجة يمازجها الخشونة والخوف معا:
ممنوع الدخول يا فندم.
فكر وحيد انه نفس الخوف الذي لاحظه في كلمات رجب للتو وهو يدله على مكان الشركة هنا، رجب يعمل في المزرعة المجاورة،  وقد قال له وحيد: اركب معي، واوصلنا الى شركة الوادي. لكن رجب توقف و قال، لعل د. عيد يصل الان. قالها بصوت مسموع واستطرد: الدخول من الجانب الاخر من شركة ريجا على الطريق.
والتفت للرجل الذي يجلس في المكتب في غرفة الامن:
باورمان.
اثارت الكلمة انتباه وحيد. لاول مرة يسمعها في حياته، مع انها كلمة انجيليزية بسبطة المعنى.
واستغرق ذهنه في تأمل عميق:
الرب يريدني “باورمان”. رجل قوي، بطل، ذو بأس.
الم يسنع جدعون هذا اللقب ، او بالاحرى ما يفوقه ايضا ، اذ قال عنه الملاك “جبار”. الرب معك يا جبار البأس!
تخيل وحيد نفسه ، وهو يسمع احد الملائكة المقتدرين قوة يقول له:
انت باورمان. انت جبار .. الرب يدعونا قائلا “ليقل الضعيف، بطل انا”. قيل عن داود في شبابه «انه يُحْسِنُ الضَّرْبَ، وَهُوَ جَبَّارُ بَأْسٍ وَرَجُلُ حَرْبٍ، وَفَصِيحٌ وَرَجُلٌ جَمِيلٌ، وَالرَّبُّ مَعَهُ». (١صم ١٦: ١٨).
حين ارسل الرب تلاميذه للكرازة امرهم ، لا تبارحوا اورشليم حتى تلبسوا قوة من الاعالي”. انه لخطر عزيم على خادم ان بكون رجل عادي، وليس باورمان. ان الكلمة تلبسون، كلمة عجيبة لانها جاءت بصيغة المبنى للمجهول ، فليس التلاميذ هم من يلبسون القوة او يتشحون بها، بل ان القوة هي من تلبسهم وتتشح بهم، تختفي القوة وتعمل من خلالهم، ويصبحون هم مجرد صورة خارجية. تصبح القوة الالهية هي الجوهر وكل شئ.

نظر وحيد الى الشخص الذي اوصله للتو الى وجهته:
فعلا ، انه مفتول العضلات.. لكن يا ترى، لما يحتاجون اليه في مزرعة دواجن؟ الا تعمل المعدات التي توفر المجهود البشري؟

حق البكورية

كان رئيس العصابة شابا في العشرينيات، لحية صغيرة مدببة، و شعر اسود مسترسل يتدلى على ظهره، نظرة الي يعقوب نظرة حادة ثم قال:
قل لي ما هو عدد الحملان الجيدة؟
اجاب بسرعة: مئة وثلاثون.
وكم هو عدد ﻻناث بينها؟
تلعثم في البداية ثم قال بصوت اجش ربما ليخفي اضطرابه:
اربعون!
كان يجول ببصره، ثم التمعت عيناه فجأة حين وقع نظره علي احداها:
انظر الى هذا الكبش. انه كالقائد. ارى انه ﻻ يضيرك ان تستبدله باخر.
وتابع يقول:
عليك ان تدفع لنا في كل سنة مقدار ما تدفعه ﻻبيمالك. و بالمقابل نتركك ترعى منذ الان بسلام. انه عرض مغر، أليس كذلك؟
ان هذا مساومة.
ان كان يعجبك!
ثم قهقه ساخرا:
او ﻻ يعجبك. ما من فرق.
امال يورام راسه نحو يعقوب هامسا:
سيدي يعقوب. انه من بني عناق. وﻻ يمكنك ان تفعل شيئا.
صه. لو كان عيسو يساعدني في رعاية الغنم لما حصل هذا.
سيدي عيسو يحب الصيد. انه يعشق جلب الفرائس.
انه يحب رحلاته التي ﻻ تنتهي. يدعي انه يربح بالصيد عشرة اضعاف ما اتكسبه انا من رعي الغنم.
غادر كانت السماء تنشر فوق السهل قبة تتلألأ فيها الشمس باشعتها الذهبية ، مرسلة ضياءا باهرا على الصخور والعشب بخضاره الزاهي. جلس يعقوب وعبده يورام القرفصاء في ظل احدى الصخور، فتح بؤجته واخرج كسرة خبز و اداما وجلسا ليتقوتا:
قوال يورام بفخر: هذا القطيع كنز فعلا يا سيدي.
نظر يعقوب الى عبده، بامكانه ان يحس الفخر الذي يشعر به من بريق عينيه. اغمض يعقوب عينيه، بامكانه ان يعود بذاكرته سنوات خلت. فمنذ طفولته وقد احب سكنى الخيام، ومنذ ان وعى للدنيا وهو يجد في رعى اﻻغنام رزقه، لكن رعاية الاغنام ليست اسهل شيئا على اﻻطلاق. كان قد تخلص للوقت من احد قاطعي الطرق وقد افتدى قطيعه بكبش. علاوة على ما قد يتعرض له القطيع في مرات كثيرة من هجوم الحيوانات المفترسة، علاوة على ما يجده من مشقة في تقلبات الجو، والترحال لمسافات طويلة. ان الرعي عمل مضن. يحتاج الى طاقة هائلة من الحب لا تتوفر في كل شخص، والا لكان قد وجد من اخيه عيسو عونا له. القى ظهره مستندا الى الصخرة خلفه. ومد بصره متنهدا وقال:
نعم. ولكنه يحتاج الى جهد يفوق قدراتي بعشرة اضعاف.
كان قد انتهيا من تناول الطعام. فسحب العبد البؤجة وضم فيها ما بقى من كسر الخبز واﻻدام، وجعل يحكم ربطها. وراح يقول وقد غلبت عليه مشاعر الاعجاب بسيده:
ولكنك يا سيدي تعرف ان تقوم بعملك جيدا. ان القطيع تضاعف عشرة اضعاف عن العام الماضي.
سحب يعقوب نفسا هادئ ثم قال:
لوﻻ معونة اله ابي، ما كنت تحملت مشقة رعايتها يوما واحدا.
لكن ما من احد يشعر انك غير سعيد.
لست اعتقد ان غاية الحياة ان يكون المرء سعيدا، بل هي ان يخدم. هي ان يكون نافعا.
فقال: بالنسبة الى عبد، ربما كان هذا صحيحا. ثم حوّل نظره الى سيده: لكن الى ابن … فاشك!
قال يعقوب: نعم ابي اسحق موسر وقد باركه الله كثيرا. لكن ، دعني اسالك سؤاﻻ يا يورام!
فقاطعه: ما انا حتى تسالني عن اي شئ؟ الدي حكمة حتى انقلها لك؟ انا مجرد عبد.
رفع نظره فوجد احدهم قادم.
فتابع: انظر سيدي. ربما مشتر قادم نحونا. انك يا سيدي لست فقط ناجحا في رعاية اﻻغنام، بل انت تعرف كيف تجري صفقات.
راقب يعقوب حتى اقترب الرجل وتبادﻻ التحية.
قال الرجل: هل انت يعقوب بن اسحق؟
يعقوب:ماذا تريد؟
اطلق الرجل نظرة حوله ثم قال: كبشا و 3 خراف.
يعقوب:اذا اذهب الى والدي ان كنت تريد شراء شيئا.
مشتر: لقد ذهبت وقالت لي امك. ان اتكلم معك.
يعقوب:ستدفع لي 30 قطعة فضية وقطعة ذهبية.
مشتر: كان والدك ليطلب مني اقل من ذلك.
يعقوب:ان لم يعجبك السعر يا سيدي. فانا متاسف جدا. وداعا.
مشتر: معك حق. ساشتري منك الخراف.

*
اسحق: قمت بصفقة جيدة يا يعقوب. انا مسرر منك اﻻن.
يعقوب:لقد قت بصفقة جيدة بالفعل.
اسحق: انك تجعلني رجلا اغنى مما كنت عليه بني.
يعقوب:لم يكن امام اولئك التجار اي خيار اخر.
*
رفقة: النبيذ يجعلك تشعر بتحسن.
اسحق: ان يعقوب طيب. دائما يجعلني قاد را على شراء جماﻻ وخرافا بالمال الذي يكسب. بصراحة احب يعقوب. لكن عندما ياتي عيسو بالفريسة التي تطبخينها مع اﻻعشاب يبدو لي كالملاك.
رفقة: هذا ﻻنك نهم طماع يا اسحق. ﻻ اصدق انك كعيسو تستمتع بالعيش والطعام، بينما ابنك اﻻخر يعقوب يعمل على الدوام من اجل الجميع.
يعقوب: هيه. لكني احب ان اكل ايضا يا امي.
اسحق: انظري يا عزيزتي! حتى يعقوب نفسه يؤيدني.
يعقوب:ماذا تطبخين يا فتاة.
فتاة: هل انت جائع
يعقوب:هل وضعت توابل في القدر مع العدس اﻻحمر
فتاة: بالطبع ساسكب لك صحنا وسوف اكله.
اسحق: عيسو انت بهجة شيخوختي.
عيسو: لقد عدت يا ابي! اشتريته من تاجر في احدى الواحات خلال سفري
اسحق: انك دائما حنون يا بني
عيسو: انني جائع يا امي
رفقة: اتبع الرائحة ستجد بعض العدس اللذيذ
عيسو: هذا العدس يكاد افقد الوعي
فتاة: اذن عليك ان تاكل حتى ﻻ يغمى عليك. وعليك اﻻنتظار.
يعقوب:كيف تقولين ذلك. انه متعب وفي حاجة الى الطعام
فتاة: انا اسفة يا يعقوب. لكن اما تاكله انت او هو
عيسو: هل انت فعلا جائع يا يعقوب؟
يعقوب:هل تريد صحن العدس خاصتي؟ اذن سوف اعطيك اياه!
عيسو: ماذا تريد في المقابل؟
يعقوب: اريدك ان تتنازل عن حق وﻻدتك لي!
عيسو: ﻻ معنى للبكورية طالما العدس مفقود
يعقوب: هل فعلا ستعطيني حق البكورية مقابل هذا الطبق؟
فتاة: وانا اكون الشاهدة!
عيسو: انت حقا طباخة ماهرة ولكنك لن تكوني شاهدة.
رفقة: هل تثقان بامكما؟
اﻻثنان: هيه!
رفقة: اذن ساكون شاهدة
فتاة: خذ العدس والملعقة ايضا.
عيسو: انتظرت كثيرا للحصول على العدس
يعقوب: واﻻن انا من سارث قطعان ابي
عيسو: بالتاكيد يا اخي. اما انا فدائما احمل ثروتي معي. عضلاتي وسيفي.
يعقوب: اوه، كم جملا لديك.
**
يعقوب: لديك 120 جملا صغيرا وتسعون جملا بالغا
اسحق: يجب ان تخبرني بعدد الخراف
يعقوب: 4000
اسحق: وكم قطعة فضية؟
يعقوب: لديك 3000
اسحق: سعيد انني ساترك عيسو قويا
رفقة: لكنك سوف تترك جزءا من ثروتك ليعقوب ايضا؟
اسحق: بالطبع لكنه ليس في حاجة اليها انه ماهر. ويعرف كيف يبيعقوب: ويشتري. يعرف كيف يصبح غنيا.
رفقة: هذا ليس منصفا ابدا يا يعقوب. لقد عملت طوال حياتك ﻻجلما، ولم تحصل على شئ. لم يعمل عيسو بتاتا ويريد والدك ان يعطيه كل شئ.
يع ان كانت القوانين ليست عادلة فالخطا ليس من ابي.
رفقة: القوانين ليست عادلة ابدا. دعني اهتم انا باﻻمر. انت تعرف ان اﻻهم هو البكورية وحق الوﻻدة سيكون لمن يباركه منكما. واﻻن اذهب واحضري قطعتي من جلد عنزة
يعقوب: ستحل علي لعنة!
رفقة: لا يهم اطعني فحسب.
يعقوب: ساطيعك يا امي فقد عملت لوالدي طوال حياتي.
اسحق: انا اعمى ولكني اشتم جلد العنزة التي يرتديها عيسو! ها هو يقترب! ان اشتاق الينا لطالما احضر الينا افضل فرائسه.
(يدخل يعقوب ويتلو عليه اسحق البركة)

**
مشهد 3:
اسحق: لماذا احضرت المزيد من الطعام يا ابني؟
عيسو: لكني ابنك البكر . واحرت ما طلبته.
اسحق: اه بفضل بركتي اصبح يملك كل شئ واصبحت انت فقيرا.
عيسو: اذن لقد خدعت يا ابي.
اسحق: كلا …. اوه… كلا…(يصرخ .. باسف ) لقد جعلته سيدك!
عيسو: هل لديك بركة واحدة يا ابي ؟ اﻻ تستطيع
اسحق: ستخدم اخاك وحين تتمرد سترمي فقط نير العبودية المعلق على رقبتك.
عيسو: ستدع يعقوب يخدعك بهذ الشكل؟
*
عيسو: (موجها كلامه الى اثنين من عبيده): اذهبا وابحث عن اخي. لن ادعه يهرب مني ابدا!
رفقة: اهرب الى حاران وابق معه حتى يخمد غضب اخيك. حينئذ سارسل احدا ليحضرك. ﻻ اريد ان احرم من ابنائي.
عانى يعقوب من ارض حاران حيث عبدت اﻻوثان. لكن خلال غربته بقى مخلصا لله اﻻله الواحد القدير الذي اخلص له جده ابراهيم واوﻻده.
*
مشهد 4
صراع الملاك مع يعقوب:

(صوت الراوي): روبين شمعون يهوذا …الخ. انهم اوﻻد يعقوب.
الملاك: ارجوك دعني اعبر هذا النهر اﻻن.
يع: اه.. اه…
الملاك: يجب ان اذهب اﻻن! لقد جعلتك تصارعني بما فيه الكفاية!
يع: كنت تختبرني! لن ادعك. هل تسمعني؟
الملاك: اخبرني ما اسمك؟
يعقوب: يعقوب!
الملاك: من اﻻن تسمى اسرائيل ﻻنك تعاركت مع الرجال وربحت
يعقوب: واﻻن ما هو اسمك ايها الملاك؟
الملاك: لماذا تسالني؟ انت تعرف من اكون. انا اباركك يا اسرائيل.
يعقوب: لقد رايت يهوة وبقيت حيا. من اﻻن فصاعدا ساسمى المكان فنوئيل.
*
مشهد 5
رجوع يعقوب الى كنعان ومقابة عيسو

عيسو: انا لست بحاجة اليها لتكن لك.
يعقوب: ارجوك اقبلها مني. انها اشارة منك. علامة مسامحتك اياي.

(يستكمل)

جوليا #٤

كانت جوليا تطير على خشبة المسرح كفراشة سوداء ببدلة حمراء زاهية. وكم كان صوتها عذبا وهي تردد (صولو) في نهاية الترتيلة التي انشدتها الجوقة: “ياتي الميلاد وﻻ يغهمه احد، وياتي الموت وﻻ يفهمه احد، وبينهما تدرك الكائنات كل شئ”.
استيقظ اتريتيس بصرخة حنجرية عميقة: يا الهي اكان ذلك حلما؟ يا الهي اعني! وهمس الصوت الناعم في اذنيه: احمل صليبك واتبعني!
واغمض اتريتيس عينيه واصاخ السمع. “اكان ذلك نداء حقيقي؟” قال هامسا لنفسه، ثم صلى “اللهم سامحني! ﻻ تتباعد عني!”، وقد اخجله انه كاد يستسلم لعاطفته. وجلس على طرف سريره. كان جسده مبللا بالعرق وقلبه يدق بسرعة. لقد راها في الحلم. راى جوليا محبوبته. وفيما هو يلهث مرر في شعره اصابعه المرتجفة ثم نهض عن فراشه، وتقدم الى النافذة الصغيرة التي تخلل منها اشعة الضوء على استحياء. بعد هنيهة عاد وجلس وتناول الريشة وراح يكتب:
الى اختى العزيزة.
اه يا اختي! فكري في هذا هل يمكن ان يحصل الراس على تغذية بينما يتضور باقي الجسد. هل يمكن ان تكون يدك اليمنى غنية واليسرى فقيرة؟ لم ارى فقط ان يسوع لم يتركني، لكني ايضا عضو في جسده، من لحمه ومن عظامه. ليست الكرمة هي الجذر فقط ولكنها الجذر والساق واﻻوراق والبراعم والثمار. ويسوع ليس هذا فقط بل ايضا التربة والشمس والهواء واﻻمطار. هو اكثر بعشرة اﻻف مرة مما نحلم به او نتمناه او نحتاجه.
امضاء اتريتيس
كتبت اليك من السجن بروما

واجال نظره في الجدران الحجرية للحجرة الرطبة واضاف:
ما العمل؟ كم من المئات قد انتظروا داخل هذه الجدران كي يموتوا؟ ويا ترى، من اجل اي شئ؟ المتعة؟ انها تمضي. قبل ارتكابنا تقدم لنا ما يجذبنا اليها، وبعد ارتكابها تتوقف اللذة ويحل محلها اﻻلم والخجل. وكما ان اللذة في ممارسة الخطية ليست حقيقة ﻻنك تعرف ما يعقبها من خجل وعقوبة، كذلك فان اﻻلم وانت تمارس البر ليس هو الما اذ يتخلله الرجاء في الجعالة. سعادة المسيحي سعادة حقيقية وليست لذة محمومة. انظر حواليك يا اتريتيس. ان فاتحي العالم هم عبيد ﻻهوائهم، وذات يوم ستصرعهم اهوائهم.
***
في ذلك اليوم استدعى القائد اتريتيس بعيد الظهر. ولما خرج من زنزانته، وجد ابن خالته كالب في انتظاره بردهة السجن.
حدق اتريتيس به لبرهة. وقد كان كالب يرتدي حزاما مرصعا يشبه الزي اليوناني. وتوانى لحظة،ثم قال كما لو كان قد افاق للتو:

مرحبا كالب! شكرا انك اتيت للاطمئنان والسلام عليّ..
قاطعه كالب بخشونة: سلام؟.. اي شئ ينتظرك سوى الموت يا اخي؟ هل تعتقد انه يجب ان تواصل ما انت عليه من خبل؟!
مهلا عليّ.، ليكن الله معك.
فقال: لتكن نعمته معنا كلينا.
وتابع كالب وهو يصر من بين اسنانه: اي الله! ماذا تعني بما فعلته؟
اﻻ يمكن ان تصفح؟ ان يصل غضبك الى نهايته، فالنار تشتعل وتنطفئ حين تاكل ما تشعله؟.. الدموع تستنفذ بالبكاء والماء بالشرب. وقوتك البدنية اﻻ تنهك؟ روحك اﻻ تعذبك؟
ثم قال في وهن ونبرة متهدجة: ان روحي اخالها تتلاشى كسحابة من بخار، كلما تفكرت في القصاص الذي ينتظرك! وحق اﻻلهة! ان كاس اﻻلم مترعة وسوف تنسكب، وما سكب ﻻ يمكن جمعه ثانية، فحذاري يا اخي ان تتمادى في غيك.
تساءل اتريتيس: اتدعو الحق غيّا! لقد غشى بصرك ونصيحتي ان تفتش الكتب المقدسة. وستعرف ان من اؤمن به هو مسيا ، عليه رجاؤنا نحن وكل اﻻمم!
تساءل كالب في ارتباك: ايعني ذلك ان الله احبنا، فلماذا اصابت امتنا كل هذه المحن والشدائد؟ الرومان يا لقسوتهم! اليونانيين يا لعجرفتهم التي ﻻ حد لها. اما نحن فليس لنا اﻻ صفير اﻻفواه وصفق اﻻيدي. كل من يسمع بخبرنا تطن اذناه . اين نحن وقد كنا اكثر عددا من كل الشعوب؟ وان كان الله يحبنا فعلا رغم ما ذكرت، فلم احبنا؟
فقال بنبرة واضحة: ان الله احبنا ﻻنه احبنا. ﻻيوجد تفسير لمحبته سوى محبته. انه دوما يعاملنا ﻻ كخطايانا بل ﻻجل اسمه، اي دوما يعاملنا بطريقة تنسجم مع طبيعته التي اعلن عنها اﻻنبياء.
فقال باصرار تمازجه خشونة: اﻻ ان الصورة الى اﻻن من جانب واحد المحبة. لكن ماذا عن غضبه الذي طالما حدثنا عنه انبياؤنا؟
فقال بتردد: ينبغي ان نتفق ان اﻻنبياء ذكروا كثيرا غضب الله ودينونته، ﻻن تاريخنا تميز باﻻرتداد. لذا فان رضا الله مبادرة، تاتي من الله ذاته. ان يهوة له مطالب توافق طبيعته، مطالب ينبغي ان تلبى. وراح يردد كلمات النبي حزقيال “اتم الرب غضبه. سكب حمو غضبه”. وقال معلقا: و عندما ينفق غضب يهوة يتوقف.
هز كالب راسه: ليت مملكة ابينا داود تعود! كم طال انتظارنا!
حتى في عصر داود ملكنا. لم ننل رضى الله كلية. في ذلك الحين حل الدمار بالبلاد، فصرخ بنو اسرائيل من الوباء.
رجاؤنا يجب ان يكون في داود الحقيقي. ثم رفع عينين ضارعتين الى السماء وصلى:
وان كنا ﻻ نستطيع ان نصرخ ونتضرع اليك يا رب لتفعل على اساس من نحن، فاننا نستطيع ان نتضرع على اساس من انت.
لقد بشر اﻻنبياء الكذبة بصورة غير متوازنة. كانت كلماتهم ادعاءا عن رسالة السلام الذي ﻻ تعكر صفوه الدينونة، بينم تنبا ارميا “بالسيف والجوع والوباء” اﻻ انه تطلع ايضا الى ما بعد الدينونة. تطلع فراى الرب يسترد كل شئ. انه يفعل ذلك ﻻن محبته لشعبه عادلة انها محبة تبقى ثابتة.
مشى كالب يذرع الغرفة ذهابا ومجيئا هنيها ثم سال: محبة الله عادلة و ثابتة؟ ما علاقة محبته اذن بالكفارة؟
انها فقط وجوب توفر شرط اساسي في الطريقة التي اختارها ليسامح الخطاة ويصالحهم لنفسه. وهي اﻻ يكون ذلك على حساب طبيعته التي ﻻ تتفق مع خطاياهم. يجب ارضاء عدل الله وشريعته ونظامه اﻻخلاقي – اي يرضي نفسه. هذه الترضية او الكفارة هي ما حدثنا عنه الوحى “رائحة سرور” تشتعل النار ويتصاعد الدخان في الذبيحة كناية عن سخط الله ﻻنه اله غيور. نار اكلة”.
ذهل اتريتيس حيال ما قاله كالب. كانت عيناه تتلالا بالدموع وساءل نفسه عن غاية كلامه. يعرف كل اب وام ما معنى ان تتنازع عواطفهم حتى تكاد تمزق المرء انها ثمن المحبة الباهظ وﻻ سيما عندما تدعو الحاجة الى معاقبة اﻻوﻻد. الم اﻻبوة” اشار اليه هوشع عندما كنى عن اسرائيل “غلامه او ابنه” الذي علمه المشي وهو يضمه بين ذراعيه وقد اطعمه، اﻻ انه اختار اﻻرتداد. فهو يستوجب العقاب. لكن هل يستطيع اب ان يحمل نفسه على معاقبته؟
قال بصوت متهيب: اسمع كالب! هكذا يناجي الهنا يهوة نفسه: “كيف اجعلك يا افرايم؟ .. كيف اجعلك كصوبييم؟ قد انقلب علي قلبي. اضطرمت مراحمي جميعا. “. في النهاية يختم كلامه بانه نادم عن الشر الذي اراد ان يصنعه فيقول “ﻻ اجري حمو غضبي.. القدوس في وسطك فلا اتي بسخط”. صورة تكررت كثير في تاريخ تعاملات الله مع البشر.
يبدو لي سؤال النبي “كيف..؟”، صراعا !
بالفعل، هو صراع بين ما ينبغي ان يفعله يهوة بسبب بره الذي يأبى الشر ، وبين ما ﻻ يستطيع ان يفعله بسبب محبته.
كفاية. توقف! اتعبر عن الله بهذه الثنائية؟ الصراع في داخل الله. اﻻنقسام. كيف ذلك؟ كفى تجديفا يا اخي!
وبدا كالب وكأنه ينتظر اﻻ اجيب.
فقال بثقة وهو يوجه نظرة صريحة: اسمع يا كالب. الكتاب المقدس ملئ بهكذا تعبيرات. يقول النبي “في الغضب يذكر الرحمة”. “مملوءا نعمة وحقا”. “الرحمة والحق التقيا”. “هوذا لطف الله وصرامته”. ﻻ يوجد اي شذوذ في تعليم كهذا. الطبيعة الثنائية لله تمثل السر المركزي في اﻻعلان المسيحي. ﻻ يمكن ان تعلن طبيعة الله اعلانا شاملا مستوفى بكلمة واحدة.. هذه الفكرة اﻻحادية تدمر معرفتنا عن الله وحقيقة اعلانه عن الكفارة. لذلك فصليب يسوع هو المكان الوحيد الذي نلتقي فيه مع اﻻعلان الكامل عن الله.
قطب كالب قائلا بجفاء: هل تستطيع ان تقرا وتكتب وتحسب يا اتريتيس؟
نعم.
واخرون يستطيعون ذلك ايضا.
تجهم وجهه لبرهة ثم تبسم اذ عرف اﻻم يرمي كالب:
بالطبع يا كالب! ربما ﻻ زلت ﻻ تفهم تمام الفهم. وانا مثلك ما زلت لم اصل الى تمام المعرفة.
نظر كالب بتعجب: يعني ذلك اننا متعادلين.
قاطعه : ليس تماما. يعني اننا على نفس الدرب سائرين. هذا ما دعا احدهم ان يقول: ان الله احبنا بطريقة رائعة، حتى حين ابغضنا.
تنهد ثم قال بحماس تخالجه شفقة: ﻻ تمثل الثنائية صراعا كان الله في خلاف مع نفسه. حقا انه من الصعب ان نحتفظ في اذهاننا على الدوام بصورة الله القاضي الذي يقتص من اﻻشرار، مع صورة الله المحب الذي يجب ان يجد طريقة ليسامحهم.
ان قداسة محبة الله هي التي استدعت الكفارة. اي لو لم يكن الله قدوس لما كان هناك حاجة للكفارة.. فلا يجوز ان نتصوره الها متساهلا يقبل ان يعرض قداسته للمساس ﻻنه يابى ان يستخدم عصاه. وﻻ يجب ان نعتبره الها قاسيا ﻻنه يقمع محبته لكي يسحقنا ان اخطأنا.
انقبض كالب حين فتح فمه فخرجت الكلمة هواءا دون ان تسمع: اي خطب حل بنا.
اعاد القول واردف بغضب: العلنا نجيب على السؤال بان نقول: الله ضحى بنفسه ﻻجل نفسه، بغية ارضاء نفسه.
وتمتم: اﻻحرى ان نقول الله، ارضاءا لنفسه، ضحى بنفسه ﻻجلنا.
*
قال كالب بحماس: كيف استطاع الله ان يعبر في ان واحد عن قداسته بالقصاص ومحبته بالعفو؟ عفو وقصاص معا. كيف ذلك؟
وعاد اتريتيس يجيب: استطاع ذلك فقط بتامين البديل اﻻلهي. بحيث يتلقى البديل القصاص، وينال الخاطئ العفو و التبرير.
بادرة بنظرة ذهول وقال باستهانة: كلام غير مقنع ومتناقض!
احنى اتريتيس راسه وصلى: يا الهي اعطني اﻻجابة، ليس بكلام اﻻنسان المقنع بل ببرهان الروح والقوة.
وامتد الصمت لثوان وابتسم وقال:
انت نعجب مثلما يعجب كل يهودي، من ايثار موسى كليم الله، عندما عبّر عن تفضيله ﻻن يمحى اسمه من سفر الحياة في مقابل خلاص شعبه. وكذلك نحن المسيحيون نحترم رغبة مماثلة عند بولس حين يقول في احدى رسائله “كنت اود لو اكون انا محروما من المسيح من اجل اخوتي..”.. ويوجد في كل عصر قصص مؤثرة عن التضحية بالذات مثال ماكسيميليان كوالبي الذي تطوع امام السلطات ان ياخذ مكان محكوم اخر ليعدم. اذن ليس من المدهش ان الله الكلي الحب ان يكون طبق على نفسه مبدا البدلية هذا. من الجلي ان النبي ميخا فهم مبدا البدلية هذا. وان سؤاله الذي ناجى به نفسه عن الوسيلة التي بها ينال الغفران حين قال “هل اتقدم للرب بمحرقات.. انهار من الزيت .. او بكري عن معصيتي، ثمرة جسدي عن خطيتي؟؟؟”(6: 6-8). ان الجواب اﻻخلاقي الذي رد به على سؤاله عوضا عن الجواب الطقسي، وﻻ سيما رفضه للفكرة المرعبة في تقديم ابنه عوضا عن نفسه، هو “اريد رحم ﻻ ذبيحة”. وﻻ يعني بكلماته هذه رفض البدلية الذي بنى عليه نظام الذبائح.
واستطرد: حتى التقدمات .. حتى تقدمة القربان لكونها شاذة – اذ ﻻ تحوي سفك دم- فقد كانت ﻻ تقدم منفردة بل مرافقة لذبيحة ما، وهكذا تختلط تقدمة قربان الدقيق مع دماء الذبائح اﻻخرى على المذبح.
قاطعه: من هو البديل؟
المسيح طبعا. ان الصور التي تصور اﻻب غاضبا ويعاقب ابنه. او التي تصور المسيح كشفيع يقنع اﻻب بالعفو لها مرجعية كتابية واﻻ لما طورها المسيحيون لتفسير خلاص المسيح. التصور اﻻول صحيح “الله دان الخطية في جسده”.. “قدمه كفارة”..
هازئا قال: اب يعاقب ابنه.. صورة اجدها منفرة قاسية!
تردد اتريتيس في اﻻجابة. لم يكن يريد ان يستطرد في مباحثة غبية:
ثم قال بصرامة فاقت جديتها حديثه كله الى اﻻن:
كلانا يعرف قصة ابراهيم وهو يقدم ابنه محرقة. اتجد هذه الصورة منفرة قاسية.. او حتى مشهدا من اب بدى انه يجن؟
واردف: طبعا، ﻻ. ليس صحيحا ان الله ارغم المسيح على فعل ما لم يكن هو راغبا فيه او ان يسوع كان ضحية لعدالة الله القاسية. ينبغي اذن اﻻ نقول ان الله عاقب يسوع، او ان يسوع اقنع الله. ﻻن ذلك بمثابة جعل كلا منهما معارضا للاخر، وكانهما يتصرفان مستقلين او حتى في نزاع. فلا يجوز ان نجعل المسيح هدفا لعقوبة الله، او ان الله الطرف المقصود اقناعه من قبل المسيح. ﻻن الله والمسيح كليهما فاعلين ﻻ مستهدفين اذ اخذا كلاهما زمام المبادرة لتخليصنا نحن الخطاة.
تساءل متنهدا:
فلم يصلي المسيح “الهي الهي لماذا تركتني؟”. ان كان الله الذي اخذ طبيعتنا متروكا من الله. فكم بالحري نحن؟
قال اتريتس: احذر يا كالب ان تخلط بين اﻻب واﻻبن. ان كان اﻻب بذل اﻻبن فاﻻبن بذل ذاته كذلك. وان كان كاس جثسيماني رمز لغضب الله فهو ايضا قد اعطى من قبل اﻻب. ان كان اﻻب ارسل اﻻبن فاﻻبن جاء الى العالم ولسان حاله يقول “هنذا قد جئت ﻻفعل مشيئتك”. اي لم يضع اﻻب محنة على اﻻبن لم يرد حملها، وﻻ اﻻبن انتزع الغفران من اب كاره له.
احدى الترانيم تنشد بالكنيسة تقول:
انتصبت خشبة الصليب عاليا في الهواء
يحيط بها الضوء من كل جانب.
بدت اكثر تالقا من فروع كل اﻻشجار
تالقت بوميض الذهب وابرقت بلمعان الفضة
تالقت حول قاعدتها الجواهر مومضة..
ملك كل البشر اتى على عجل
متحمسا بشجاعة و للصليب ارتقي
القوي الثابت خلع ملابسه،
تسلق الخشبة ثابت العزم
صعد امام الكل ليفدي سائر البشر
ثمة شئ يقف عاجزا عنه العقل
ثمة كنز تقبله الروح فقط باﻻيمان.

طاطا كالب راسه بينما راح اتريتيس ينشد ترنيمته هذه بصوت عذب. كان وجه اتريتيس يتالق بفرح .. كان يخالجه شعور اشفاق “اه يا الهي اذ فتح كالب قلبخ لك. لو لم يكن قلبى مقسى جدا.
واراد لو لم يكن هو نفسه مؤمنا لكي ينال ابن خالته اﻻيمان.
ساد الصمت وكان الصوت الوحيد هو صوت كالب يدق. بدا كانه يحارب نفسه في قتال عنيف.
كانت كل كلمة قالها اتريتيس له اليوم كانها صفعة على وجهه لا بل منخاسا لقلبه. اترى ماذا يفعل لكي يؤمن؟ بدا له اﻻيمان عميقا جدا كمحيط ليس له قاع. ناظرا في عينيه بين برهة واخرى، شاعرا بخزي دون ان يتمكن من ادراك السبب. العله قصور ادراكه. اذن فليلحق به العار الى اﻻبد. انه لم يشعر بخطر التيه كما اليوم. بدى له وكانه احد افراد بنو اسرائيل تائها في برية سيناء. سأل بهدوء: قل لي، كيف لك هذا اﻻيمان؟ اعني كيف حصلت عليه؟ اقصد، هل يمكنك ان تفسر لي عدم ايماني؟
(يستكمل)

يوميات وحيد #١٨


ذات مساء ذهبنا للترفيه بالسير في محاذاة النهر. بادرتني بالسؤال:
“لماذا جاء يسوع؟”
اجبتها اﻻجابة التي طالما رددناها منذ طفولتنا.
“حسنا، ليخلص الخطاة”.
“اذن يسوع يحبك. هو ﻻ يحب ما نقترفه من خطايا لكنه يحبنا نحن، على ما نحن عليه”.
“اسمعي اني على وشك الوقوع في امر يمكن ان أندم عليه ما بقى من العمر. كل ما في الامر اني ارجئ وقوعه”.
كان النهر يتألق بين الحين واﻻخر بألق شهبي يمرق عينى بصفحته الفضية.
سألت : ما هو؟ لذت بالصمت. الحت فقلت متنصلا: ذلك سر! اتخفي عني سرا؟ لا، لكنك ستعرفين حينها. متى ذلك الحين؟ قلت لك، اني انتظر.
انتظار الرب يعني ان ننتظر تحقيق مواعيده. ﻻبد ان تتروي! اﻻنتظار يحسب هنا فضيلة!
لكن الى متى؟
طالما تحدث داود عن اختباره عن انتظار الرب. الإيمان إذا لم ينتظر فهو ليس إيماناً بالمعنى الحقيقي ولا هو اتكالا على الرب.
وماذا لو فشلت في اختبار اﻻنتظار هذا؟
ﻻ شئ. كل ما في اﻻمر اننا نخسر كثيرا، لكن تعويضات الله تحول دائما الخسارة الى ربح.
ﻻ افهم.
كان على ابينا ابراهيم ان ينتظر تحقيق وعد الله بكثرة النسل. وللوهلة الأولى نرى اسماعيل أن يعتز بالأثنى عشر أبنًا، والمدن التي أطلق عليها اسماء أبنائه، فيما نجد اسحق يندب أمه الحبيبة، ويرى نفسه وحيدًا بدون زوجة حتى سن الأربعين.
ولكنه انجب بعد الزواج.
ليس سريعا. فمع أن الزوجة قد أُحضِرَت إليه لكنها ظلت عاقرا طيلة عشرون عاما.
فترة طويلة ﻻ شك!
لقد انتظر ابراهيم ابي اﻻباء فترة اطول، انتظر 25 عاما.
ابتسمت: اذا لقد نجح في امتحان اﻻيمان او اﻻنتظار!
ﻻ. لقد تزوج بهاجر وكان ذلك سببا في مشاكل كثيرة له.
اوه. الى هذه الدرجة!
صلى اسحق إلى الرب لأجل امرأته لأنها كانت عاقرًا فاستجاب له الرب فحبلت رفقة امرأته.
كم هو جميل أن نجد اسحق ورفقة بعيدين عن الفخ الذي وقعت فيه سارة وإبرام، لإتمام الرغبة في الحصول على الوارث. لم يفعلا شيئا سوى الصلاة.
وراحت نتالي تتمتم بكلمات ترنيمة:
ستبقى لي يا رب راعيا طول الزمان
ستبقى لي حبا يملا كل الكيان.
*+*
ترجلت من السيارة. كنت اجر ساقي جرا وهي في جبيرة الجبس. ورحت امازحها فيما تنادي: الست اعقل من هذا، لم تمر اربعة ايام منذ كسرت ساقك؟
كان الصوت يتقطع. وانا الهث :
انتظري!
بدا صوتي كانه يتقطع، كانما الهواء منهوك القوى ﻻ يقوى على حمله.
وقلت مازحا: ﻻبد لي من الزواج ! هل تعرفت على رجال كثيرين يا نتالي؟ العفة تناقض الطبيعة ﻻنها ضدها.
ﻻ.. انها هي الطبيعة ذاتها.
المغاﻻة ليست فضيلة على اﻻطلاق. كيف ذلك؟!
خطايا الجسد ﻻ تاتي لمن يمارسون الرياضة والعمل والتسلية البريئة لكنها تاتي اوقات الخواء والفتور والكابة.
من المتوقع ان انحرف انسان في جانب من حياته تشوهت الجوانب اﻻخر؛ فالعاطفة والفكر والارادة والجسد متحدة اتحادا وثيقا في كيان اﻻنسان.
الجنس طاقة هائلة تشمل كيان اﻻنسان كله
هذا لا يعطي مبررا لمن تتحرك فيهم الدوافع الغريزية وﻻ يقدرون على كبحها.
ﻻ. صحيح كلما عظمت الطاقة عظمت اﻻستفادة منها. وابتسمت ابتسامة ذات مغزى:
كالطاقة النووية مثلا.
قالت بجدية: ليس معنى للاهدار الا عند الجهلاء. بالفعل، جبال الكحل تفنيها مراود النساء!
*
كنا قد تعبنا من السير بمحاذاة النهر. جذبتها من يدها.
اجلسي !
جلست الى جواري. فتحت حقيبتي واخرجت عدة الصيد. اقترتبت من ضفة النهر والقيت صنارتي. امسكت القصبة باحكام ورحت اراقب وانتظر. لم استطع ان ارى القاع لكن بصري كان ينفذ عميقا..
ثم جاء ثلاثة اوﻻد وجلسوا وهم يرقبون سمكة. استكانت السمكة في الماء ثم ما لبثت ان ابتعدت.
قال اﻻول في حماسة: ليتني استطيع صيدها. كنت ابيعها؟
قال الثاني ساخرا: لن تحصل بها على 5 جنيهات.
لكني سوف اخذ المبلغ الذي تيسر. فانا بالسنارة التي معي استطيع صيد العديد.
راحوا يتحدثون عما سيفعلون وكلهم يتحدثون في ان وحد. باصوات ملحة لجوج. جاعلين من الخيال امكانا، فاحتماﻻ، فحقيقة ﻻ تدحض. شان الناس جميعا عندما تتحول احلامهم الى كلمات. مجرد كلمات.