ظروف قاسية:
لم تطل اقامتي في اورشليم. مررت بظروف قاسية، قاسيت الجوع والعري والحاجة المرة. والعار.. لم استطع البقاء لان العار احاط بي. كنت مستعدة ان ادفع الثمن من ذات نفسي ولكن ما ذنب صغيري. لقد تم فيه القول “افتقد ذنوب الاباء في الابناء”. لم يبق لي عيش في المدينة فجمعت متاعي وعدت الى الجليل الى بلادي. لكن عاري – ظل يلاحقني. فقد جاء احد التجار ورأى متجري الصغير الناجح الذي كنت اعمل فيه انا وابني وعرفني. وروى قصتي لجاري ورواها الجار لاخر ولاخر، وانتشر الكلام وشاعت المذمة وعرفت بين الناس باسم “الخاطئة” – رباه ! لقد تبت اليك توبة نصوحا. انت تعرف سرائر القلوب. انت تعرف اني دفعت الثمن غاليا. حقا ان الخطية خاطئة جدا – نعم، ظللت ادفع ثمن خطيتي. ومع اني تذمرت في بعض الاوقات الا اني كنت اراجع نفسي واقول اني استحق. ظل القوم يدعونني بالخاطئة وان كانوا لم يجدوا في مسلكي مأخذا ، لكن عقيدتهم ان المرأة التي تزل مرة لا يمكن ان تتوب ، الله وحده يعلم اني تبت وانني وابني كلانا يأكل من العمل الشريف من عرق الجبين، ولكن الناس لا يرحمون.
بدأ البعض يقاطعون متجري الصغير ويمتنعون عن تشغيلي لكن الله حنن عليّ قلوب اخرين.. فظللنا نعيش … ونشكر. نعم، كنت اشكر الله وان كنت اتذمر احيانا، ان القوم لا يتحدثون عن ماضيّ فقط، ولكنهم يذكرون ان في حاضري خاطئة. نعم انهم يقولون عني “كنت خاطئة” لكنهم يقصدون اني لا زللت خاطئة.
في بيت الفريسي:
مضت مدة طويلة منذ جئت الى الجليل وفي احد الايام سمعت ان المعلم الناصري في المدينة . كانت فرحتي عظيمة جدا. المعلم الناصري في المدينة. انني لم اقدم له شكري يوم اكرمني بغفرانه. لكن ماذا استطيع ان اقدم له، اي شئ لاكافئ ما لقيته منه من احسان. نعم عندي قارورة طيب، لكن ما هي قارورة طيب هذه بالنسبة لحبه العجيب. على ان اخذها واقدمها له. جلت اسأل عن السيد اين هو.
علمت بعد بحث مضن ان السيد مدعو ليتناول الطعام في بيت سمعان الفريسي، اه، سمعان المتكبر الذي يحتقر كل انسان. لا اعلم كيف دعا النجار الناصري الى الطعام. علمت فيما بعد انه دعاه ليجد مأخذا عليه. ذهبت الى بيت سمعان .. كان الباب مفتوحا وكان جيش العاطلين يقصد المكان ليحصل على بعض الخدمات الصغيرة وليلتقط بعض فضلات الطعام. كنا ندخل البيت كما تدخل الكلاب الضالة. كانوا يسمحون لنا في بعض الاوقات وكانوا يطردوننا في اوقات اخرى. ولما دخلت ابصرني سمعان فبصق على الارض ورأيت فمه يتمتم ببعض الكلمات. كان يتعوز بالله مني ومن نجاستي. وقد امر احد الخدام ان يأتي بمبخرة واطلق البخور في المكان حتى يطهره. لاكان على وشك طردي حين رآني اقترب من السيد من الخلف. فتردد وكأنى به اراد ان يعرف كيف يعاملني السيد. كان قد سمع عن السيد انه محب للعشارين والخطاة ويبدو انه اراد ان يتحقق من ذلك.
سمعان والسيد
جثوت عند قدمي السيد وهناك سكبت قلبي. احسست بثقل خطاياي ومرارة نفسي والعار الذي ظل يلاحقني. كنت اخشى اني لم انل منه الصفح بعد، والا لماذا تطاردني كلمة “خاطئة”. وتدفقت دموعي نهرا ملأ وجهي وسال على قدمي المعلم فحللت شعري. نعم شعري، وقد احسست انه اقل من ان استعمله ممسحة لقدميه. تذللت امامه ومسحت قدميه بشعري. كنت اقول في قلبي يا سيدي كيف ابين لك شكري؟ هوذا شعري، زينة رأسي امرغه تحت قدميك. وهوذا الطيب امسح به الهاتين القدمين اللتين تبللتا بدموعي النجسة، وصعد انين من صدري انينا خافتا لم يسمعه احد ولكني اوقن انه قد سمعه ورفعت عينيّ ورأيت سمعان ينظر اليّ شذرا وينظر الى السيد باحتقار وكأنى به يقول. كلا لا يمكن ان يكون الناصري نبيا والا لعلم من هذه التي تلمسه. انها خاطئة. لو كتن نبيا لركلها بقدمه وطلب تطهير المكان من نجاستها.
ورفعت عيني الى وجه السيد ورأيته يضئ بلمعان سماوي تجلى فيه الحب والعطف والاشفاق والتوبيخ وتكلم كما لو كان يجيب على افكار الفريسي. قال:
«يا سمعان عندي شيء اقوله لك». فقال: «قل يا معلم». «كان لمداين مديونان. على الواحد خمس مئة دينار وعلى الاخر خمسون. واذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا. فقل: ايهما يكون اكثر حبا له؟» فاجاب سمعان: «اظن الذي سامحه بالاكثر». فقال له: «بالصواب حكمت». ثم التفت الى المراة وقال لسمعان: «اتنظر هذه المراة؟ اني دخلت بيتك وماء لاجل رجلي لم تعط. واما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر راسها. قبلة لم تقبلني واما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي. بزيت لم تدهن راسي واما هي فقد دهنت بالطيب رجلي. من اجل ذلك اقول لك: قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها احبت كثيرا. والذي يغفر له قليل يحب قليلا». فقال سمعان : “قل يا معلم”.. وتكلم السيد
اتنظر الى هذه المرأة لقد دخلت بيتك وماءا لاجل غسيل رلي لم تعط اما هي.
وثبت من مكاني بابتهاج وانا اهتف “مجدا لله. اني لست بعد خاطئة. انا مبررة. غفرت خطاياي الكثيرة.”
==