ماري كوري

marie_curie

-1-

نشأتها:

ولدت “ماريا سكلودوفسكا” في مدينة وارسو عاصمة بولندا في سنة 1867م. وكان ابوها يعمل مدرسا في احدى مدارس البنين، بينما كانت امها تعمل ناظرة لاحدى مدارس البنات.

كانت الاسرة بولندية ونشأت ماريا منذ طفولتها على حب وطنها بولندا.. وكانت مثل هذه المشاعر الوطنية محرمة على البولنديين انذاك لان روسيا كانت تحتل جزا كبيرا من بولندا. وحرم على المدرسين تعليم اللغة البولندية وكذلك تاريخ بولندا .

-2-

طفولتها

وحين بلغت ماريا العاشرة من عمرها، ماتت امها فكانت صدمة شديدة وقعت عليها وعلى الاسرة كلها.

وبذلت الاخت الكبرى “برونيا” قصارى جهدها لتحل محل الام .. واما ماريا فلم تفهم من معنى الموت في تلك السن المبكرة الا انه حادث محزن..

ودفنت ماريا جميع هذه الاحزان في الانغماس في دروسها..

وكانت تتميز بميزتان: الاولى انها كانت تفهم جميع دروسها بمنتهى السهولة، وكانت تتميز بذاكرة قوية جدا فبمجرد قراءة قصيدة من الشعر مرتين فقط. كانت القصيدة مهما كانت طويلة تنطبع في ذاكرتها بحيث تتمكن من تلاوتها غيبا بعد ذلك.

والميزة الثانية، انها كنت حين تنغمس في قراءة احد الكتب كانت تنصرف بكل كيانها لمتابعة القراءة في هذا الكتاب، ولا تشعر باي شخص او شئ بجوارها ، بل ولا تشعر باية ضجة بجانبها مهما كانت مرتفعة.

وفي احدى المرات ، بينما كانت ماريا منهمكة في قراءة احد الكتب، وهي جالسة الى منضدة كبيرة بالبيت. كانت هناك ضجة كبيرة بالبيت، وارادوا ان يمازحونها فاحاطوها بكراسي البيت من كل جانب.. على يمينها وعلى يسارها وفوق رأها.. كل هذا وهي لا تدري شيئا عما يصنعونه بسبب شدة استغراقها في القراءة وحين انتهت من القراءة وطوت الكتاب وهمت بالنهوض من مقعدها ارتطمت رأسها بكرسي كان فوقها وسقطت كل كومة الكراسي فانفجر الجميع ضاحكين.

وحين بلغت سن السابعة عشرة .. كان ابوها لا يكسب من مهنته ما يفي بمتطلبات الاسرة على نحو معقول..لذلك فقد اضطرت ماريا ان تقوم باعطاء الدروس الخصوصية لتلميذات المدارس لكي تكسب ما تساعد به اسرتها.

ولم يكن هذا العمل سهلا . فقد كان عليها ان تذهب الى بيوت التلميذات في جميع الانحاء مخترقة الكثير من الشوارع رغم البرد الشديد او هطول الثلج وفي بعض الاحيان كانت تتعرض للمعاملة الجافة من بعض الامهات الثريات.. فقد كان بعضهن يقلن لاحدى خادمات المنزل: “قولي للانسة ماريا سكلودوفسكا ان تنتظر .. فابنتي ستقابلها بعد ربع ساعة!”.. كما كانت بعض الامهات تنسى ان تمنحها اجرها الشهري..

-3-

الجامعة العائمة!

وبعد ان اهت ماريا دراستها المدرسية، ارادت ان تواصل تعليمها في “الجامعة العائمة”. وهي جامعة على شكل تنظيم سري، مكونة من فريق كبير من الشباب والشابات .. يلتقون في اوقات مختلفة للاستماع الى محاضرات يلقيها عليهم الاساتذة المتخصصون. وكانت مثل هذه الاجتماعات محرمة تحريما باوامر السلطات الروسية.

وكانت ماريا تحب اختها برونيا وتريدها ان تواصل دراستها في باريس ولكي تساعد اختها وضعت خطة تتسم بالذكاء الشديد.. اجلت ماريا البدء في تحقيق حلمها الشخصي بمواصلة الدراسة الجامعية.

-4-

ماريا واختها برونيا

وفي يوم قالت ماريا لاختها:

برونيا، لقد فكرت كثيرا.. واعتقد اني وجدت طريقة تستطيعين بها تحقيق حلمك في دراسة الطب بباريس!

اية طريقة؟

قولي لياولا.. اذا سافرت باريس فكم شهرا تستطيعين ان تعتمدي على ما ادخرتيه من نقود؟

لقد ادخرت قيمة تذكرة السفر بالاضافة الى مبلغ يكفيني لمدة سنة.. ولكنك تعلمين ان دراسة الطب تستغرق خمس سنوات.

نعم يا برونيا.. اني اعرف ذلك. ولهذا فاننا نستطيع ان نتعاون معا ليساعد كل منا الاخر بالتناوب.. اذا اقتنعت بفكرتي فسوف تسافرين الى باريس هذا الخريف. فصاحت برونيا مندهشة:

ماريا .. هل جننت؟

فاجابت ماريا بثقة:

الامر بسيط يا برونيا.. ستذهبين الى باريس وتبدأين دراستك اولا وقبل ان تنتهي نقودك ساكون انا قد دبرت لك بعض النقود وكذلك ابي.. وبعد ان تنتهي من دراستك وتصبحين طبيبة سيحل دوري وسأذهب الى باريس لابدأ دراستي على ان تقومي انت بارسال النقود اليّ.

ولكن من اين ستحصلين على المال؟

ساعمل مربية للاطفال.

ولكن لماذا اذهب انا الى باريس اولا؟ يمكنك ان تذهبي انت في البداية وساقوم انا بارسال النقود اليك طبقا لهذه الفكرة.

لا يا برونيا . انك الان في العشرين من عمرك اما انا فما زلت في السابعة عشرة..

-5-

مربية اطفال

وهكذا سافرت برونيا في خريف 1885 لاريس، بينما بحثت ماريا عن عمل لتجد عملا في رعاية فتاة صغيرة عممرها نحو 10سنوات في منطقة ريفية تبعد عن وارسو 65 ميلا.

وخلال اقامتها في المنزل الريفي حدثت واقعتان لابد من الاشارة اليهما.. اما الواقعة الاولى فهي ان ماريا برغم من كل مشاغلها نذرت من وقتها ساعتين لتعلايم اطفال القرية اللغة البولندية وتقريبا نسيت ان هذا محذور باوامر السلطات.

اما الواقعة الثانية فسوف نذكرها فيما يلي.

-6-

قصة حب

كان الابن الاكبر للاسرة التي تعمل ماريا في بيتها شابا يتلقى تعليمه في وارسو.. وفي الاجازة المدرسية عاد الى بيت الاسرة فوجد في البيت شابة صغيرة جميلة تعمل معلمة لاخته..

راها اجمل واذكى من اية فتاة اخرى راها من قبل.. فهي تستطيع ان ترقص في رشاقة مجموعة منن الرقصات الشعبية البولندية .. وتستطيع ان تلقي الشعر بسهولة وعذوبة.. وتتمتع باخلاق عالية وذوق رفيع.

وقع الشابان في الحب .. واراد الابن الاكبر ان يتوج حبه بالزواج من هذه الفتاة الرائعة. وذهب الى والديه ليستأذنهما في هذا الزواج..

انفجر الاب غاضبا . اما الام فقد اغمى عليها..!

كيف يتزوج ابنهما العزيز من مثل تلك الفتاة الفقيرة.. فتاة لا تملك شيئا اضطرت ان تعمل كمربية لابنتهما.

ولم يهتما الوالدان اطلاقا بان تلك الفتاة جميلة او ذكية او من اسرة طيبة. كما لم يهتما بان اخلاقها اخلاق حميدة ..

وكانت شخصية الابن ضعيفة فرضخ الى قرار والديه بعدم الزواج.. وكانت هذه الصدمة جرحا عميقا لمشاعرها.

-7-

العودة الى وارسو

عملت ماريا كمربية 3 سنوات .. عادت الى وارسو لتجد والدها انتق الى عمل افضل واختها قاربت على الانتهاء من دراستها .. والتحقت ماريا بالجامعة العائمة لتدرس الطبيعة.. وحين كانت تجري التجارب العلمية في تلك الدراسة السرية شعرت بان المستقبل قد بدأ يتفتح امامها وانها عثرت اخيرا على الخيط الذي يؤدي الى بداية طريق بحار العلم الواسعة.

وفي يوم استلمت خطابا من اختها. لقد تزوجت برونيا واصبحت لا تحتاج الى نقود منها او من ابيها كما انها تدعوها للذهاب الى باريس لتبدأ دراستها.

-8-

الرحيل الى باريس

وفي خريف عام 1891 ، بلغت ماريا سن الرابعة والعشرين.. ركبت ماريا القطار الى باريس ، ولم تكن تعلم ان هذا القطار يخرج بها من نفق مظلم الى الاضواء الساطعة وانها الان تخطو خطواتها لتصبح من اشهر النساء في العالم.

وبعد اسابيع قليلة سجل اسمها في اشهر جامعة فرنسية.

-9-

بيتها في باريس

لم تستطع ماري ان تواصل الحياة في بيت اختها برونيا وزوجها، فقد كان البيت يقع في منطقة بعيدة عن الجامعة، وكانت تضيع وقتا طويلا في الذهاب والاياب، وهي التي كانت لا تريد ان تقضي دقيقة واحدة بعيدة عن كتبها ودراساتها.

وهكذا استأجرت حجرة صغيرة في اعلى بيت متواضع، لم ين بتلك الحجرة الا نافذة صغيرة يتسلل منها ضوء النهار، ولم يكن بها من الاثاث الا سرير صغير ومقعد واحد ومنضدة وحوض صغير للاستحمام وموقد صغير للطبخ ومصباح صغير يضاء بالزيت.

ولم تكن تنفق من النقود الا في تسديد ايجار تلك الحجرة وشراء اقل قدر من الطعام، وشراء كل ما تحتاجه من الكتب ودفع مصاريف الدراسة. وظلت فترة طويلة لا ترتدي الا الملابس المتواضعة التي جاءت بها من بولندا.

وانصرفت ماري بكل كينها الى العلم والدراسة، لدرجة كانت تبدو معها وكأنها فقدت احساسها بالجوع او احساسها ببرد الشتاء!

وفبالرغم من برودة ليالي الشتاء القارسة ، كانت ماري لا تستطيع شراء بعض الفحم لتدفئة حجرتها.. بل وكانت تنسى في احيان كثيرة ان توقد الموقد الصغير لعله يوفر لها بعض الدفء وذلك من شدة انغماسها في الدراسة والمذاكرة، ورغبة منها في عدم تضييع ولو دقيقة واحدة بعيدة عن كتبها.

وكانت تواصل المذاكرةدون ان تشعر ان اصابعها قد اوشكت على التجمد، وان كتفيها ترتعشان من شدة البرد.. ربما كان بعض الحساء الساخن يمنحها بعضا من الدفء والقدرة على التحمل، ولكنها لا تعرف كيف تصنع الحساء. بل وحتى ان كانت تعرف كيف تصنعه فانه سيكلفها نقودا هي في اشد الحاجة اليها، فضلا عن ان اعداد الحساء يتطلب وقتا تحتاجه لمواصلة الدرس.

وكانت تقضي اياما وليالي لا تتناول فيها من الطعام شيئا سوى قطعة من الخبز والزبد وبعض اكواب الشاي.. وحينن كانت تريد ان تقيم لنفسها وليمة كانت تشترري بيضتين او بعض الحلوى والفاكهة.

-10-

الجوع

وفي يوم ما، سقطت ماري مغشيا عليها امام احدى صديقاتها التي اسرعت بابلاغ زوج اختها الذي كان يعمل طبيبا. وانطلق الطبيب الى ماري باقصى سرعة ، وصعد السلالم عدوا حتى وصل الى تلك الغرفة العلوية الصغيرة التي ترقد فيها ماري وهي تعاني حالة من الاعياء بحيث اصبحت لا تقوى على الحركة.

نظر الطبيب حوله الى محتويات الغرفة من الاثاث الفقير، ولاحظ عدم وجود اي طعام عدا باكو صغير من الشاي نصف ممتلئ ، فسألها وهو لا يكاد يصدق ما يرى:

ماذا اكلت اليوم؟

فقالت بصوت ضعيف:

لا ادري.. لقد اكلت شيئا منذ وقت مضى..!

ما هو بالضبط.. ماذا اكلت بالضبط؟

احدى ثمار الفاكهة.. و .. اشياء اخرى!

وعاود زوج اختها الطبيب يسألها مرة اخرى حتى عرف منها انها لم تتناول من الطعام شيئا منذ مساء اليوم السابق الا ثمرة فاكهة وقليلا من الخضروات غير المطبوخة، وانها ظلت تواصل العمل والمذاكرة حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ، ولم تنم سوى اربع ساعات فقط، انطلقت على اثرها الى الجامعة لسماع محاضراتها واداء دروسها العملية، وعندما عادت الى حجرتها لم تجد فيها شيئا يؤكل ومع ذلك فقد بدأت في مذاكرة دروسها الى ان سقطت مغشيا عليها.

وانتقلت ماري الى بيت اختها برونيا لتعيش معها بضعة ايام قليلة حتى تستعيد صحتها، وتناولت هناك من الطعام ما يقيم اودها وما يحتاجه جسمها الهزيل من التغذية.

ولكنها كانت حزينة وغير سعيدة لانقطاعها عن المذاكرة والذهاب الى الجامعة، لذلك اصرت على العودة الى حجرتها الصغيرة القريبة من الجامعة.

-11-

البرد

وكانت ليالي باريس قارسة في الشتاء. كانت الحجرة العلوية التي تعيش فيها باردة جدا لدرجة تمنعها من النوم.. وكيف كان يمكنها ان تنام وكل شئ حولها بارد الى درجة التجمد.

وعندما كانت تعجز عن شراء بعض الفحم للتدفئة كانت تواسي نفسها بانها فتاة بولندية وان الشتاء في وطنها بولندا اشد قسوة من شتاء باريس، ولذلك فمن الواجب عليها ان تتحمل..

ولكن البرد كان اشد قسوة من ارادتها الحديدية ومع ذلك فقد حاولت ان تواجهه بكل ما يخطر على بالها من حيل.. فكانت عندما تتاهب للنوم، ترتدي اكبر عدد ممكن من ثيابها، وتغطي نفسها بكل ما تبقى لديها من ثياب اخرى.

ومع ذلك فقد كان البرد يشتد مع مرور كل لحظة.. فماذا فعلت؟ في احد المرات مدت يدها من تحت الغطاء وسحبت المقعد الوحيد الموجود في حجرتها، ووضعته فوق الاغطية لعل ثقل المقعد فوق جسدها المرتعش يتيح لها بعض الدفء. ولكنها مع ذلك ظلت مستيقظة من شدة البرد الذي يمنعها من الاستغراق في النوم.. وظلت عيناها مفتوحة على ضوء المصباح الخافت وزجاجة الماء التي تشرب منها، وقد تجمد الماء فيها واصبح ثلجا!

-12-

زواجها

كانت تواصل ماريا ايضا دراسة اللغة الفرنسية لتستطيع مواصلة دراساتها للعلوم حيث تلقى المحاضرات باللغة الفرنسية وحيث الكتب العلمية ايضا مكتوبة باللغة الفرنسية.

وبالرغم من شبابها فقد كانت لا تشعر باية رغبة في الحب.. خصوصا بعد تجربتها الاولى والتي كانت تجربة مريرة.

لذلك فقد تعجبت ماري كثيرا حين لاحظت انها بدأت تهتم كثيرا بزميل لها يدعى “بيير كوري” الذي كان عالما فرنسيا يقضي معظم وقته في اجراء التجارب العمية بمعامل الجامعة .

وربط بينهما العمل في المعامل برباط وثيق.. بدأ باحترام كل منهما للاخر ثم اعجابه ثم صداقته ثم الوقوع في حب عميق جعلهما يشعران بان كلا منهما لا يستطيع ان يستغني عن الاخر.

وفي عام 1895 تزوجا.. وبعد الزواج مباشرة تركا باريس وذهبا الى الريف ليقضيا هناك اياما قليلة.. وكانا سعيدين للغاية وكان الحديث متصلا بينهما لساعات وساعات طويلة يتناقشان في العلوم وفي التجارب المعملية وكانا يأملان بان يكون لديهما معملهما الخاص..

وسرعان ما عادا الى باريس ليواصلا عملهما..

-13-

البيت الجديد

marie-pierre

سكنت ماري وزوجها الان في شقة كبيرة باعلى احد البيوت. لم تكن شقتهما مجهزة باثاث اكثر من حاجتهما الاساسية. واذا جازف احد الاصدقاء بزيارتهما، فقد كان عليه اولا ان يتحمل تعب الصعود فوق تلك الدرجات العديدة. ولن يجد لديهما الا رفوفا تراصت فيها الكتب والمراجع، ومنضدة ومقعدين اثنين فقط.

وبعد نحو سنتين رزقا الزوجان باول اطفالهما .. كانت بنتا سمياها “ايرين” وقد حصلت هذه الابنة فيما بعد على جائزة نوبل.

-14-

في المعمل

منذ سنوات قليلة كان احد العلماء قد اكتشف مادة جديدة اسمها “اليورانيوم” وقال ان هذه المادة يصدر عنها اشعاع (الذي سمته فيما بعد مدام كوري النشاط الاشعاعي).

ولكن كيف يصدر النشاط الاشعاعي من تلك المادة؟ .. وما هو شكله.. وما هي اثاره..؟!

هذا هو السر الذي كانت مدام كوري تسعى لاكتشافه .. وكانت من اجله تجري التجارب تلو التجارب.. تنجح في مرة وتفشل في مرات.. ثم تنجح في احد المرات، ولكن النجاح يزيد السر انغلاقا، ويتطلب اجراء عشرات من التجارب المعملية الاخرى.

-15-

الزوجان يعملان معا

marie-pierre-curie-science

في تلك الفترة ترك الزوج جميع ابحاثه وانضم الى زوجته ليعاونها في البحث عن ذلك الاشعاع المجهول.. وفي عام 1898 اعلنا ان هناك شيئا في الطبيعة يسمى “النشاط الاشعاعي”. يصدر عن مادة ما زالت مجهولة اطلقا عليها اسم “راديوم”.

ولكن هذا الكشف الجديد الذي اعلن عنه الزوجان كان على عكس جميع المعلومات التي كانت سائدة بين علماء تلك الفترة. لذلك انصتا العلماء الى ما اعلنهما ولكنهم لم يصدقوا شيئا مما قالاه.

وقال بعض العلماء المنصفين: “اذا كنتما تريدان اقناعنا بما تقولاه فيجب عليكما ان تريانا بعض هذا الراديوم الذي تحدثتما عنه.

وهكذا اصبح على الزوجين الان ان يقضيا سنوات طويلة في البحث العلمي حتى يتمكنا من تحضير هذا الراديوم ويثبتا صحة نظريتهما الجديدة.

كان هناك مبنى صغير يقع خلف المعمل التي كان يعمل بها الزوج.. كان المبنى نفسه ليس افضل من كوخ قديم لا يصلح لشئ.. اتخذ الزوجان من هذا المبنى معملا يجريان فيه تجاربهما المعملية لمدة 4 سنوات طويلة مضنة لم يضيعار فيها لحظة.. كانا يعملان طوال النهار وجزءا كبيرا من الليل.. يستعملان الميزان الدقيق في وزن بعض المواد. ويقومان باذابة بعض المواد . ثم يجريان الكثير من الحسابات ثم يدونان ملاحظاتهما في شكل كثير من المعادلات.. ويعيدان الكرة مرة ومرات..

كانا يؤمنان بوجود الراديوم، لكن اين وكيف يحصلان عليه؟ هل سيستطيعان في يوم ما تحضيره، هل سيصلان يوما ما الى هذا السر العظيم.؟

-16-

النجاح

ماري كوري

في مساء احد الايام في عام 1902 كانا الزوجان قد غادرا المعمل منذ ساعتين وبينما كانا جالسين نهضت ماري من مقعدها وقالت لزوجها:

فلنذهب الان الى المعمل ولو للحظة واحدة..!

وارتديا ملابس الخروج. وغادرا البيت الساعة التاسعة مساءا . واتجها عبر الشوارع الى حيث يوجدالمعمل.. واولج بيير المفتاح في قفل الباب وانفتح الباب.. وهنا هتفت ماري:

لا تضئ المصباح.. انظر ماذا ترى!

كان هناك ضوء ازرق خافت يشع من بعض انابيب الاختبار الموضوعة على بعض المناضد.. لقد توصل الزوجان اخيرا الى السر الذي كانا يبحثان عنه لسنوات طويلة.. الراديوم!!

-17-

شهرة لا يرغبان بها في كل يوم تقريبا كانا يتلقيان دعوات لحضور المادب الكبيرة والاجتماعات الهامة وحفلات التكريم .. وطلبت منهما الصحافة نشر بعض المقالات في الجرائد والمجلات .. بل وجاء الصحافيون الى بيتهما ليكتبوا عنهما الاحديث وليأخذوا لهما الصور الفوتوغرافية بل وليصوروا ابنتهما الصغيرة وكل شئ اخر بالبيت حتى القطة الاليفة.. وليعرفوا رايهما في اشياء كثيرة.

وكانا الزوجان يعتبران تلك الشهرة العريضة نوع من المضايقات

-18-

المعامل والمجوهرات

بعد نحو عام دعيا الى حفل في انجلترا. وقام مسيو بيير كوري بالقاء محاضرة علمية امام حشد كبير من العلماء. وقد اقيمت مأدبة ضخمة حضرها كثير من الاوساط العلمية وزوجاتهم.

كانت جميع السيدات يرتدين افخر الثياب ويتحلين باغلى الحلى. وحين انفرد الزوجان ببعضهما بعد الحفل، قالت ماري لزوجها:

بيير، لم اكن اتصور ان توجد مثل هذه المجوهرات في العالم..

فضحك الزوج وقال:

تصوري. كنت انا ايضا انظر باعجاب وتحول هذا الاعجاب الى فكرة طريفة.. اخذت اخذت احسب اثمان هذه المجوهرات واتخيل في الوقت نفسه كم من المعامل يمكن اقامتها لخدمة الانسانية بثمن هذه المجوهرات!

-19-

جائزة نوبل

وفي نفس العام منح الزوجان جائزة نوبل للعلوم الطبيعية. حدث اكتشاف بعد هذا ان الراديوم يصلح علاجا لمرض السرطان .

وفي صباح احد الايام قال بيير لزوجته وهو يمسك بخطاب وصله من امريكا:

دعينا نتحدث قليلا عن قيمة الراديوم .. فمن المؤكد ان العالم كله سيحتاج اليه..

وقد وصلنا هذا الخطاب من امريكا يدعوننا فيه للذهاب الى هناك لمعاونتهم في انتاج الراديوم بكميات كبيرة. ويعدوننا بمكافاة مالية ضخمة. وعلينا الان ان نقرر – هل سنحتفظ بسر انتاج الراديوم لانفسنا لنبيعه مقابل ثروة طائلة، ام نعلن السر على ملأ العالم كله كما يفعل العلماء الذين وهبوا انفسهم للعلم.

اجابت كوري في الحال:

لا سنعلن السر على الملأ.. ان الاحتفاظ بالسر لبيعه مقابل المال ضد الروح العلمية!

كرر الزوج العبارة:

نعم، ضد الروح العلمية!

أضف تعليق