قصة اقعية: عضة كلب

قصص واقعية: عضة كلب
جلس امير وعادل يتجاذبان اطراف الحديث، فقال امير:
اخبرني يا عادل! كيف احوالك؟
في الحقيقة ولا اريد ان اخفي عنك. احوالي لا تسر عدو ولا حبيب. البورصة متقلبة جدا. يوم في العالي ويوم في الواطي. والاسهم التي اشتريتها لم تربحني الكثير.

  • لا تتضايق. التجارة دائما هكذا. ومؤكد ان ربنا سيعوض عليك.
    ثم فرك جبهته وهو يقول:
    عندي اقتراح. ثمة قطعة من الارض معروضة للبيع بسعر بخس. تحب نذهب ونعاينها؟
    موافق.
    ذهبا الاثنان ليعاينا قطعة الارض، فقد كانا الاثنان يقضيان معظم اوقاتهما في تحريك اموالهما سعيا للكسب. ركبا الاثنان السيارة وانطلقا الى مدينة 6 اكتوبر، وفي الطريق تبادلا الحديث. قال عادل:
    عندي اقتراح افضل من اقتراحك. مشروع لو تم ، سوف يكسبنا اموالا طائلة.
    غير الارض؟
    تعرف ان تربية الكلاب تكسبك ذهب. كلبة واحدة تكسبك 10 الاف جنيه في الشهر.
    اوقف امير السيارة.
    10 الاف في الشهر؟ معقولة؟
    العملية حسابات.
    اخرج هاتفه الجوال وفتح تطبيق الالة الحسابية وبدا يحسب كيف ان الكلبة ستلد اعدادا معينة من الولدات . وكل ولدة ستتكلف مبلغا معينا من المال. والنهاية صدق امير على كلام عادل، وصرف نظر عن موضوع شراء الارض.
    وغير اتجاه سيره ليذهب الى احد المحال التجارية التي تبيع الكلاب من سلالات معينة.
    بدأ مشروعهما في شقة كان يملكها عادل. مرت الايام وكان عادل اكثر اهتماما بالكلبة، كان يداعبها ويطعمها ..
    خذ بالك يا عادل الكلبة متغيرة جدا .. عينيها شرسة. هي لا تلعب معنا. انها تهاجمنا. احترس!
    هاجمت الكلة عادل وعضته عضة قوية في فخذه . سال الدم بغزارة.. وبدات الكلبة تلحس دمه.. وقبل ان يفيقا من الصدمة كانت قد استدارت وبدات تهاجم امير .. وبالكاد استطاع ان يخلص ذراعه من بين انيابها..
    بسرعة تعال يا عادل! يجب ان نذهب الى مستشفى الكلب.
    انا لن اذهب الى اي مستشفى. يكفي ان اذهب الى صيدلية. وهناك نشتري ضمادات وبعض المطهرات.
    الخوف ان تكون مصابة بالسعار.
    انت دائما موسوس. الكلبة تربيتنا. من اين سياتيها السعار؟ اقول لك شئ! الافضل ناخذ راي اخي الصيدلي ميشيل.
    وانطلقا بالسيارة الى ميشيل.
    ما ان وصلا وحكيا لميشيل عن قصتهما مع الكلبة، حتى استغرق في الضحك، وقال لعادل وهو يبتسم ساخرا:
    انت تريد من عادل ان يذهب الى المستشفى ويدفع ثمن المصل. اذا انت لا تعرف اخي. اخي لا ينفق قرش صاغ في شئ الا لو كان متاكد انه هيرجع له اضعاف. على العموم انا ليس لدي وقت لكما.
    وتركهما واستغرق في عمله.
    انصرفا الاثنان وكان النهار قد بدا ينتصف. لكن امير اصرّ على الذهاب، واضطر عادل ان يرافقه مرغما.
    في المستشفى سالهما الطبيب:
    متى حدث هذا؟
    الساعة 10 صباحا.
    نظر الطبيب الى ساعته:
    الان الساعة 9م. لقد تاخرتم كثيرا. المصل يؤخذ فقط خلال 8 ساعات. والا اصبح عديم الجدوى. اذ يكون الميكروب قد انتشر في الجسم وبدا عمله.
    والعمل؟
    انتظرا لنرى ما يحدث للكلبة. ان ماتت ستكون مصابة بميكروب السعار ..
    وان كانت مصابة؟
    ليس امامنا شئ. ربنا يلطف بكم.
    تركهما الطبيب. وبدا عادل يصفق كفا بكف، وهو يقول متبرما:
    الطب متأخر جدا في مصر. تعال يا امير نتصفح الانترنت. اكيد سنجد مستشفى في اي بلد متقدمة تقدر تعالجنا.
    بالفعل تحصلا على بعض ارقام تليفونات المستشفيات الاجنية وتواصلا معها .. ولكن كان الرد واحد.. لا يوجد امل في النجاة!
    بعد بضعة ايام وجدا الكلبة ميتة في الشقة. ومن هنا تحققا ان الكلبة مصابة بميكروب السعار الخطير. واسترجعا كلام الطبيب في المستشفى.. ولكن الجروح كانت قد التأمت ولا يوجد اثار للمرض عليهما ويتمتعان بصحة جيدة..
    غاب عادل عن امير اسبوعا كاملا قضاه في المصيف مع جدته وباقي افراد عائلته. كان امير يعيش في وحدة شديدة ولا يعرف اين يذهب، ومع من يتسامر.. وبعد اسبوع التقيا.
    عانق امر عادل بحرارة وهو يقول:
    افتدتك كثيرا يا صديقي العزيز.
    احكي لي: كيف قضيت وقتك؟
    في الواقع، كان اسبوع غريب. اول مرة ادخل الكنيسة منذ ان حصلت على الاعدادية. حتى خطوبتي بهيام اقمتها في قاعة حفلات وليس بالكنيسة.. اريد ان احكي لك عن شئ مهم جدا في الحياة. الشئ ده هو علاقتنا بربنا..
    قاطعه عادل على الفور متبرما وهو يريد ان يغير مجرى الحديث:
    يا عم، احكي لي! كيف علاقتك بهيام، اقترب موعد زواجكما ام سننتظر طويلا؟
    صمت امير فقد ادرك ان عادل يرفض كل محاولة لحثه على التوبة.. وتمر الايام ويتزوج امير بينما يفسخ عادل خطوبته، فقد ادعّت خطيبته انه بخيل.
    وفي يوم بينما كان امير في عمله جاءه اتصال هاتفي يخبره ان عادل اغمى عليه فجاة.
    طار امير ليرى صديقه.
    كان لا يزال مغشيا عليه. وحينما افاق بعد محاولات عديدة، اقترح امير ان يصحبه الى المستشفى.
    هز عادل راسه وهو يقول ملوحا بيده:
    مستشفى.. مستشفى.. انت عندك هوس بالمستشفيات.. انت تعرف لو رحت اي مستشفى.. فحوصات .. تحاليل.. اشعات .. ادفع .. ادفع.. الاطباء اصبحوا تجار جشعين.. وفي النهاية اجد نفسي مفلسا.
    المهم ليس مهما. صحتك اهم!
    الصحة حديد باذن الله، طالما لا ادفع مالا في شئ لا يستحق. اقبل دعوتي لك على الغذاء. انا عازمك على وجبة شاورما! وطبعا انت عليك نصف ثمن الوجبة.
    **
    بعد عدة ايام تكرر الحادث. في هذه المرة كان يصرخ عادل من الالم. فكه اتعوج.. صداع حاد.. حشرجة في الصوت.. لعاب يسيل بغزارة.
    اجرى عادل الفحوصات. وقال الطبيب:
    انت سليم.
    انا متعب جدا يا دكتور.
    جميع الفحوصات تقول انك سليم تماما.
    ربما نزلة برد.. ستزول ببعض الادوية والراحة في المنزل.
    اه يا دكتور. لقد تذكرت! منذ عدة شعور حدث لي حادث.. ثم التفت الى عادل وهو يقول:
    هل تتذكر يا عادل عضة الكلب؟
    بالفعل يا دكتور. لقد عضتنا كلبة، لكن اصابة عادل كانت بالغة جدا اكثر مني بكثير. والاطباء في مستشفى الكلب اخبرونا اننا معرضين للاصابة بهذا الفيروس في حدود سنة.
    منذ متى بالضبط الاصابة؟
    منذ اربعة اشهر.
    يعني يا دكتور انا سوف انبح مثل الكلاب.
    اجرى الطبي فحص لميكروب السعار (الرابييس) ووجدا الدم ملوثا به.
    توسل عادل للطبيب:
    هل سيكلفني هذا المرض كثيرا؟
    يا استاذ ليس مهم التكلفة. الموضوع ان علاجه مستحيل..
    بدا التوسل ياخذ شكل الاستعطاف الياس:
    اعمل اي شئ يا دكتور.
    العمل عمل ربنا. كله بايد ربنا.
    ثم قال ملتفتا الى امير:
    لازم تاخذ صديقك الان الى مستشفى الحميات وهناك سوف يعزل.
    طار امير بعادل الى مستشفى الحميات. كان جسد صديقه اصبح مخدرا تماما بسبب ارتفاع شديد في الحرارة .
    على باب المستشفى في الطوارئ قال وهو يلهث:
    الحقني يا دكتور! صاحبي بيخرف..
    فهمت. واشار الى ممرضة:
    اعزليه في غرفة العزل.
    لكن يا دكتور لازم اكون جانبه.
    انت حر. لكني لست مسؤلا لو اصابتك العدوى.

قال عادل وهو يركض ويصرخ:
يا امير .. يا امير..
امسك امير بيد عادل وقد اخرجها من الكارنتينا (حاجز العزل الطبي) وهو يربت عليها:
ماذا تريد يا عادل يا حبيبي؟
هل ترى هؤلاء.. انهم يريدون اخذي. مناظرهم بشعة جدا..
اذهب معهم.
الحقني.. بيسحبوني..
من هم؟ انا لا ارى احدا. يبدو انك تهلوس..
لا مش هلاوس. انهم هناك.. شياطين صغار في الركن وقادمين باتجاهي.
ارشم علامة الصليب وامسك صورة مارمينا والبابا كيرلس.
طب هات.
ورشم بصورة مارمينا والبابا كيرلس الصليب.
نعم. لقد هربوا .. الحمد لله. لكني تعبان جدا.
سوف تستريح حالما ياتي الدواء بمفعوله فيك.
اريد طلب منك.
لا تقل لعمتي شئ لئلا تقطع عني مصروفي الشهري.. ولو عرفت بالهلاوس ممكن تقطع الوصية ويضيع الميراث مني.
تسال في اعماق قلبه صامتا:
المسكين .. ربنا يستر .. وبينه وبين الموت خطوات.
ترك امير عادل وهو يجري:
لا يعرف ان كان يجري من المرض ام من عادل.. ام من نفسه.. لم يكن يدري.
جلس في غرفته واغلق على نفسه. حاولت عروسه ان تتحدث معه لكنه رفض. وبدا حديثا مع نفسه:
الان الدور عليك يا حلو! وطبعا سوف تظهر الاعراض عليك والنهاية معروفة. لا احد ينجو من هذا المرض اللعين. اعمل ايه. زوجتي تحمل طفل في بطنها.. يا ترى هل انتقل الميكروب مني لها او للجنين؟.. الطف يا رب..
يا يسوع ماذا ساقدم حسابا عن عمري الذي اضعته جريا وراء المكسب والعالم.. يا رب اخوة عادل اتصلوا بي وقالوا لي اهتم به انت لاننا لا نستطيع الاقتراب منه. المستشفى منعت زيارته. ففهمت انهم يخشون على انفسهم من العدوى.
سامحني يا رب. اه يا رب بماذا تنفعني حتى دموعي؟
قام امير ومسح دموعه ورتب هندامه ونادى على امل زوجته:
اسمعي يا امل . اريد ان اقول لك سر. ةانا عندي Rabies رابز اي سعار. وقريبا ستظهر الاعراض عليّ.
اقتربت منه تريد معانقته، ولكنها صدها بلهجة حادة آمرة:
لا تقتربي.. انا خائف عليك وعلى ابننا. منذ اليوم ساعتزل عنكم في شقة بالجوار..
بكت امل..
لا تمنعيني ويا ريت نتمسك بالعقل.. العواطف لا موضع لها الان. ان اراد ربنا وعشت باقي السنة، يبقى ربنا كتب عمر جديد.
جمع اغراضه وانتقل للسكن في شقة قريبة مفروشة في بناية سكنية قريبة.
في اليوم التالي ذهب ليطمئن على صديق عمره:
وجد عادل في اردا حال .. تشنج مريع في عضلات جسده. فكه اعوج اعوجاجا كبيرا وصوته بالفعل اخذ يشبه صوت الكلاب بسبب تضخم والتهاب الحنجرة الغير طبيعي. انه لا يستطيع الاكل. لعابه قد تدمم واصبح دما اكثر منه لعابا.
بصعوبة بالغة فهم امير من عادل انه يريد ان يطردهم عنه. اي الشياطين. انهم عادوا وبدلا من ان يكونوا اثنان صاروا اربعة.. صاروا كثيرين في الغرفة. ان الغرفة ضاقت بهم.. انه يريد ابونا الكاهن حتى يعترف.. وتساءل امير في قلبه:
كيف سيعترف هذا.. حاضر.. حاضر يا عادل.
وذهب امر وخرج وهو في حالة من الهلع والقلق على نفسه ام على عادل لا يدري.
ذهب الى الكنيسة واخبر الاب الكاهن وفي الكنيسة تقابل ايضا في فناءها مع سالي، احدى الحالات الخاصة التي يقوم هو بخدمتها.
حيّته:
كيف حالك؟
الحمد لله.
ما لك خائف كدة؟.. هتعيش يا امير طالما تقوم بخدمتنا.
كانت سالي ذات موهبة شفافية عجيبة ..
ردد في نفسه:
وفي اعيش.. يا ترى هل هذه حقيقة؟ ام مجرد كلام.. هل اتعلق بامل كاذب؟..
قاطع حبل افكاره صوت الاب الكاهن ينادي من داخل مكتبه:
اللي عليه الدور يدخل!
اخبر امير ابونا بحالة عادل وطلب منه ان يصحبه بسرعة لامير وهو يحتضر.
ذهب ابونا مع امير ووقف عند مدخل العزل رافعا الصليب وطلب من امير ان كون معه ليترجم له كلام عادل فهو لا يفهم منه شيئا.. وفي النهاية رشم ابونا بالصليب على عادل وقرا له الحل.
وفي اليوم التالي ذهب وناول عدل من الاسرار المقدسة. انصرف ابونا بينما بقى امير.. لقد فقد عادل الكلام تماما. صار جسمه متشنجا تماما وصار في نزاع ويخرج منه حشرجة تشبه النباح .. هوهوة مع انفاس متقطعة لاهثة.
لم تستطع دموع امير ان تمنع الام عادل. لقد كان ينظر الى امير وعينيه تتوسل ان يرحمه.. بكى امير وطلب الرحمة لصديقه..
اخيرا جاءت هدية الرب لعادل.. جاءت له الرحمة الكاملة.. هدات كل حركات عادل وتشنجاته وانطفات عياه الزائغة
مات عادل وهو بين يدي امير..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s