قصص كتابية: ابراهيم وسارة -٢

ياتي الصوت في المساء:
ابرام. ساراي سوف تكون اما لشعوب. واعطيك ابنا منها. هذا عهد. وعلامة العهد الختان. سوف اعطيك ارض كنعان ملكا.
اشكرك يا الهي على جودك وكرمك.
*
سريان اشعة الشمس الدافئة وفي الاثير خلفه صدى كلمات الله: سوف اعطيك من سارة ابنا. ويلمح من بعيد 3 اشخاص قادمين. القى كبيرهم التحية:
سلام يا ابراهيم.
سلام سيدي.
اين سارة؟
في الخيمة.
ويسقط على اﻻرض فقد شعر بجلال المتكلم معه. ويمسك به الشخص الجليل:
ويتطلع اليه ابراهيم ويسال بخشوع:
لو كان لي خاطر عندك. ﻻ تغادر. انتظر .. كلوا كسرة خبز..
وينهضه : افعل كما قلت.
ويدخل الى الخباء:
اسرعي يا سارة جهزي لنا طعاما.
وعلى المائدة يقول:
سوف اتي لك بعد عام وسيكو مع سارة حينها ابن.
تسمع سارة من داخل الخباء وتضحك.
..
يا الهي الا تمكث معي فترة اطول؟
ان الشكوى كثرت من سوم وخطيتهم زادت.
هل تهلك ويسير خلفه.
يسمع صوت من السماء
لو وجدت 50 بارا سوق اصفح.. لن اهلك المدينة.
يقاطعه:
30.. 20.. وتتوالي نفس الكلمات.
يا رب دعني اتكلم هذه المرة فقط:
10 فقط.
حتى العشرة سوف اصفح..
يا رب..
بدى عاجزا عن النطق للحظة، ثم استجمع شجاعته التي غالبها الحزن واﻻسى:
لو كانوا … واحتار اي رقم ينطق، وفكر: 5 يكون قليل جدا.. واخيرا قال:
لو كانوا اقل من هذا..؟
ولم يكن صوت.
**
قرع على الباب، قرعات بصخب وعنف من قوم هائجون وحشيون:
اخرج ضيوفك يا لوط. واﻻ لن يكون لك خير لك ولهم.
يخرج لوط في فزع:
ماذا تريدون؟
نريد ان نضيفهم مثلك.
ارجوكم يا اصحابي: ﻻ تعملوا هذا الشر..
يمسك احدهم بعنقه وينطق شذرا:
ﻻ تظن اننا اصحابك. اﻻنك تعيش بيننا ظننت انك واحد منا؟
اتركوا ضيفاي وخذوني انا وابنتاي..
صاح اخر في فرح:
هيا ناخذهم كلهم.
وصاح ثالث مستهزئا:
حماية الضيف واجبة
وفي الحال انطلق شعاه حارق من داخل المنزل واسبغت هالة نورانية على لوط بطريقة جعلتهم كلهم يفقدون البصر:
فيتراجعون الى الخلف وهم يلوحون بايديهم ويتخبطون في بعضهم ..
وينتهز لوط الفرصة. فيصيح بامراته وابنتيه:
هيا نخرج من هنا.
ويتبعه الضيفين وهو يسير مهرولا في شوارع المدينة:
اسرعوا .. ﻻ تنظروا الى الخلف.. الوقت مقصر.. والفرصة قد تضيع..
وينجحان في عبور بوابة المدينة، وقد انتقل العمى وكانه وباء بين سكان المدينة:
لوط وامراته وابنتيه يتسلقون الجبل خارج المدينة ..
وتظهر لهم مغارة.. صاح لوط:
هيا نختبئ في هذه..
وفيما ينطق:
تتزايد البروق وتعلو اصوات الصراخ.. وترتفع السنة الهب من داخل المدينة.. وتتراجع امراة لوط وهي تفكر بحزن فيما تركته لم يكن قلبها في الهروب بل في الكنوز. ولم تمر لحظة اﻻ وهي تتجمد في مكانها ثم تصير كتمثال قد من ملح..
يا للهول!
تزحف اﻻبنة الكبرى لتقترب من ابيها وتخفي راسها في صدره، فقد صدمها مشهد امها. اما اﻻبنة الصغرى فقد صرخت وراحت تبكي وتنتحب وابيها يربت عليها ويهدئ من روعها..
*
هاجر من فضلك، اذهبي الى سارة. انها تتعسر في الوﻻدة. القابلات منذ امس وهم يحاولون معها دون جدوى.
وتنظر بجفاء ثم تقول بلهجة جامدة تخلو من اي احساس:
لماذا.. منذ 10 سنوات وانت لم تقل لي كلمة واحدة طيبة. تعاملني كالاغراب.
جره الحديث الى ان يحمي جراحه الفاغرة التي خلفتها الكلمات في قلبه وقال بمشاعر مختلطة بين الحنو عليها كزوجة والصرامة كسيد:
هاجر..
وعرفت احساسه، فزادت:
اخبرني. هل تحب اسماعيل حقا؟
وعرف ما ترمي اليه..
واردفت بسخرية:
فليشد الله بازرها.
وﻻ يطول الوقت اذ يسمع ابراهيم صراخ الطفل المولود:
سمعت؟ لقد ولدت. سوف اذهب اليها.
ياخذ الطفل وينظر اليه بحنان ابوي بالغ. ثم يخرج من الخيمة وسط تصفيق اهل القبيلة الحار.
وينادي باسمه:
اسمه اسحق.. كما تسمى من الله.
*
تحلق الفتيان وكل رجال القرية حول نار في منتصف. الجميع يتسامر .. قام اسماعيل واظهر قوته في مصارعة احد فتيان القرية الاقوياء. كانت سارة تشاهد بفرح وهاجر ايضا ولكنها شعرت بالقلق والخوف من ان يهزم.
قال اسحق لامه: ارايت يا امي كيف انتصر اخي اسماعيل؟
قاطعه ابراهيم موجها كلامه لسارة: اسماعيل كل يوم يكبر في نظري… ذكائه .. قوته..
كادت العصا تفلت من يد الخصم..
توقف اسماعيل وقال: هذا خطأ.. انتظر.. امسكها هكذا.. وعاودا اﻻقتتال..
توقف ثانية.. انتظرني..
اسرع اسماعيل الى اسحق..:
هيا اركب على كتفي.. تمسك بي جيدا..
وعاد الى حلبة المصارعة وصارع الخصم.. واخيرا دفعه فسقط ارضا.
صفق الجميع بحرارة.
*
ابي اسماعيل اخذ كل القطعان وسيذهب بها الى الجبل. هل اذهب معه؟
طبعا.
سارة: انا قلقة على اسحق.
ابراهيم: انه مع اخيه.
سارة: لكني حلمت حلما مزعجا الليلة الماضية.
وصمتت.
ﻻ تصدقي اﻻحلام.
سارة: ﻻ. اسماعيل يسمع لامه هاجر. وهاجر تريد ﻻبنها ان يرث..
انت تغارين.
اسماعيل اكبر جدا من اسحق، وهو عنيد.. وعنيف.. قريبا جدا تنتهي ايامنا. من منهما سيخلفك؟
هل سوف يستطيع ان يقف اسحق في وجه هاجر وابنها؟
اسحق هو ابن الموعد. والرب اختاره.
حتى لو تنازل عن بكوريته؟.. انت تحب اوﻻدك محبة متساوية. انا ايضا احبهما..
نحن من خلقنا لانفسنا مشكلة، والله يتركنا لنحلها.
انا السبب. لم يكن لدي ايمان كاف بوعود الله.
كيف؟
اصرفهم من هنا.
اه طبعا ﻻزم..
لنحم ابننا!
اصرفهم؟
وتركها غاضبا متحيرا.
*
في الصباح التالي، قال ابراهيم لسارة:
اشعر ان كلامك لم يكن منك. انها ارادة الله. سوف اصرف هاجر وابنها غدا.
*
نظر ابراهيم بحنان ﻻبنه اسحق وقد امسك بحمل، وجلس عند البئر يداعب في فروته بحنان. تذكر ابنه اسماعيل منذ علمه اول مرة يقدم ذبيحة. المشهد يتكرر اﻻن. امسك سكين وناولها ﻻبنه وقال:
خذ هذا السكين لتذبحه.
نظر اسحق باستغراب.
استطرد:
اﻻن، يجب ان تقدم للرب ذبيحة بلا عيب.. لكى نعلن للرب اننا ﻻ نحب شيئا اكثر منه.
واردف وهو يمسك به ويمرر السكين على عنقه:
يجب ان يستسلم الحمل بهدوء للذبح.
*
بعد 6 سنوات..
اﻻبراج: العقرب.. الجدي.. ال..
يجب ان تعرف النجوم في اي اتجاه تسير ؟
اليعازر هل كنت تعرف ان النجوم تاخذ اشكال الحيوانات؟
طبعا، ﻻ ﻻنها كثيرة.
ليس امامي وقت طويل ﻻعلم اسحق. لكنه ذكي ونشيط.
ونادى:
اسحق! تعال هنا.
اذهب هات قوسك ﻻعلمك الرماية.
يسمع صوت يناديه:
ابراهيم!
الصوت مالوف لديه. انه صوت الله.
نعم يا رب.
خذ ابنك اسحق وقدمه لي محرقة.
لماذا يا رب؟
يبكي بحرقة.
*
في الصباح يقوم مبكرا ويوقظ اسحق.
نحن صاعدان للجبل!
اين الخروف للمحرقة.
الله يدبر.
وفوق قمة الجبل بنى مذبحا.
اسحق! مد ايدك.
مدها في طاعة. وقال:
اربط جيدا يا ابي !
يربطه من يديه وقدميه ويستلقي اسحق على المذبح مغمضا عينيه مصليا. فيما يرفع ابراهيم السكين الى السماء ويصلي:
ربي، امنحني القوة ﻻتمام مشيئتك!
(يستكمل)

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s