
تردد في عقل انجل كلمات قد سمعتها قبلا مرارا “دعيهم يتذوقوا قبلة فيطلبوا الوجبة كاملة”.
قالت بهدوء ممض:
“انظر يا مايكل ﻻ يمكنني ان اقرا افكارك. عليك ان تقول لي ما تريد”.
حاولت ان تبقي مسافة بينها وبينه، اﻻ ان هوشع كان يملأ السرير مثلما كان يملأ الكوخ.. بل مثلما كان قد بدا يملأ حياتها.
واخيرا استسلمت للنوم.
“ انجل!” جاءها الصوت من بعيد، “هل ظننت انك ستهربين مني؟”. فيما مال عليها وضحك ضحكا خفيضا وهو يقول “ظننت ان اربعة اﻻف ميل ستفصلك عني؟”. قاومته اﻻ انه لم يكن مادة بل ظلا، شبحا يخيم عليها ويشدها الى حفرة سوداء عميقة، واحست جسمها يمتصه وهي تهوى الى القعر. اخذ يتغلغل في جميع مسامها حتى بات السواد داخل كيانها. وشرعت تنهش لحمها بيدها “ﻻ .. ﻻ”.
“مارة مارة!”.
استيقظت فجاة، وقد فغر فمها بصرخة صامتة. فقال هوشع بلطف “كان كابوسا”. واردف وهو يمسد كتفها برفق “عم هو؟”.
قالت كاذبة:
“ﻻ ا تذكر.”.
وضع يده على صدرها فانقبض عضلها. فقال مازحا “اذا ازداد خفقان قلبك فسيخرج خارج صدرك”. واردف بنبرة جادة
“قومي سنخرج في نزهة قصيرة!”.
خرجا سويا، كان البرد قارسا والظلام دامسا.. ونظرت انجل النجوم واذا هي جواهر منثورة على مخمل اسود..
انسكب نور الصباح على كل جبل وواد .. واحست شفتيه على شعرها “هذا هو ما انا مقدمه لك. اريد ان املا حياتك دفئا ولونا. اريد ان املاها نورا”.
احست ثقلا يتعاظم في داخلها. كانت لديه كلمات حلوة، لكن الكلمات ليست الحياة. فما كانت الحياة بتلك البساطة..بل كانت مشتبكة ملتوية متعوجة منذ الوﻻدة. لم يتات لها ان تمحو السنين العشر اﻻخيرة من حياتها، وﻻ حتى الثماني السابقة لها..
لقد كانت مذنبة بكونها قد ولدت.
لقد اراد اباها ان تسلخ من رحم امها.. وكان من شان امها ان تفعل لو علمت انها ستفقد اباها جراء تحديها له. ذلك ما قالته ﻻنجل كل تلك السنين الحافلة ببكاء غير منقطع.
ﻻ ﻻ مئة فجر كهذا وﻻ حتى الف يمكن ان تغير ما سبق. فقد كانت الحقيقة تماما كما قال لها دوك في الحلم “ﻻ تستطعين اﻻفﻻت مني”.
ارتسمت على وجهها ابتسامة كئيبة وابتاست في نفسها وتالمت. ربما كان مايكل على ما بدا عليه. لكن اﻻمر لن يتم بلاطريقة التي يريدها. لا يمك ان يتم وكفى. لقد كان حلاما. وسيبزغ عليه الفجر ايضا فيستيقظ.
–
كانت كل ليلة محنة.. لكن بقى الجواب هو اياه يتردد صداه في قلبه: انتظر!
فان الحب ﻻنجل كان كلمة كريهة من حرفين.
صبرا يا محبوب!
رباه كيف تطلب مني ان اعلمها الحب؟
وسمع صوتا اخر قويا وقديما قدم الزمان.
متى ستتصرف تصرف اﻻقوياء..؟
لقد راق ﻻنجل اﻻقامة في الكوخ. شعرت بالراحة واﻻمان ما عدا هايكل. فهي لم تحب المشاعر التي بدا يثيرها فيها.. بدات تصغي الى القصص التي يقصها كل مساء اﻻ انها لم تصدق اي واحدة منها.
كلما اسرعت باﻻفلات كان افضل.
حسبت ان لديها عملا غير منجز غي براديس. ثم كان عليها ان تحوز بذهبها كوخ كهذا.
وذات مساء سالته على العشاء: هل تظن ان الخضر التي نزرعها كفي لشراء كيس من الذهب في براديس؟
ربما اكثر..
وفكرت. عليها ان ترجع الى براديس .. سياتي اليوم الذ يمكنها فيه ان تنزع خاتم امه وتنسى امره تماما.
كانت تكنس وتكوي الثياب.. وشرد ذهنها. لماذا هذا الثقل في صدري؟
وجاءها صوت داخلي: لن يزول حتى تعودي الى براديس وتاخذي حقك من تلك العجوز المشاكسة.
وفكرت: لن تنجو تلك العجوز بفعلتها.
ذلك اﻻحساس غمرها يوم غادر مايكل في عربته:
انجل، لن تتحرري ان لم ترجعي. ستحصلين على مالك. ستتحررين.
عا مايكل في المساء .. كانت تقوم بكي الملابس فيما عضعضت شفتيها وهي تشتغل.
التفتت وقالت: متى ستعود الى براديس؟
لن اعود.
على اﻻقل حتى تحوز الثمن الذي دفعته في. لقد غششت من قبل العجوز الشمطاء.
لماذا تفعل بي يا رب هذا؟ لماذا اعطيتني تلك المراة العنيدة انها تثير جنوني وتفقدني صوابي؟
ثم ﻻح له فكرة يمكنه ابقاءها من خلالها اسبوعين علها تعود الى رشدها.
اريدك جمع الجوز المتساقط من تلك الشجرة هناك.
عادت بعد ساعتين ونظرت الى يديها:
اريد ان اعرف كيف تزيل هذا؟
انه الصبغة من قشر الجوز؟
اتعني ستبى؟
نحو اسبوعين.
تكورت يداها المصبوغتين في صورة قبضتين. وﻻحت لمايكل الحرارة صاعدة الى وجهها..
عقد الغضب امامها غمامة حمراء. ثم التفتت وخرجت شاتمة اياه همسا بلقب بذئ.
تبعها وادارها نحوه قائلا: “ﻻ تتمتمي بهذا همسا، هيا قليه لي بوجهي”
افلتت منه وزعقت بشتائم وما اكثر ما كانت تعرفه منها. “هيا اضربني. لعل ذلك يجعل منك رجلا”
وقد تخوف من مشاعره الثائرة من دمه الحار الجائش. راح قلبه يخبط كمحرك قطار. ثم زفر “ستكون حربا مفتوحة منذ اﻻن. هذا افضل من ﻻ مباﻻتها”.
طوت انجل يديها “عندي شئ اقوله. لن ابقى هنا معك الى اﻻبد”
فابتسم وهو يلتفت اليها بتلك النظرة الغامضة الفاترة والتي اعتادتها منه مؤخرا.
“انني ﻻ انتمى الى هذا المكان”.
“فيم تظنين تنتمين؟”
“ذلك خياري. تلك حرية شخصية”.
“انك ﻻ تعلمين بوجود خيار بعد. كما لم تعرفى معنى الحرية. انت تحسبين ثمة طريقا واحدا تسلكين . وانا اقول لك انه ينحدر مباشرة الى الجحيم”.